للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ الحَنابِلةُ إلى أنَّ الوَصيةَ لا تَصحُّ للكُفارِ، وإنْ صَحَّت للمُعيَّنِ منهم.

قالَ ابنُ القَيمِ : إنَّ الوَصيةَ لا تَصحُّ للكُفارِ، وإنْ صَحَّت للمُعيَّنِ الكافِرِ، فالفَرقُ بينَ أنْ يَكونَ الكُفرُ جِهةً أو تَكونَ الجِهةُ غيرَه، والكُفرُ ليسَ بمانِعٍ، كما أَوصَت صَفيةُ لأَخيها وهو يَهوديٌّ، فلو جُعلَ الكُفرُ جِهةً لم تَصحَّ الوَصيةُ اتِّفاقًا، كما لو قالَ: «أَوصَيت بثُلثي لمَن يَكفرُ باللهِ ورَسولِه ويَعبدُ الصَّليبَ ويُكذِّبُ مُحمدًا»، ، بخِلافِ ما لو قالَ: «أَوصَيت به لفُلانٍ» وهو كذلك؛ فإنَّ الوَصيةَ لا تَصحُّ على جِهةِ مَعصيةٍ وفِعلٍ مُحرَّمٍ مُسلمًا كانَ المُوصي أو ذِميًّا، فلو وَصَّى ببِناءِ كَنيسةٍ أو بَيتِ نارٍ أو عِمارَتِهما أو الإِنفاقِ عليهما كانَ باطِلًا (١).

وقالَ البُهوتيُّ: لا تَصحُّ الوَصيةُ لكافِرٍ غيرِ مُعيَّنٍ، كالوَصيةِ لليَهودِ والنَّصارى ونَحوِهم كالمَجوسِ أو لفُقراءِ اليَهودِ ونَحوِهم كالوَقفِ عليهم (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى كَراهةِ الوَصيةِ للذِّميِّينَ الأَباعدِ وعلى جِهتِهم.

قالَ أَبو الوَليدِ بنُ رُشدٍ : وأمَّا الوَصيةُ للأَباعدِ من الذِّميِّينَ فلا اختِلافَ في كَراهةِ ذلك؛ لأنَّ الوَصيةَ للمُسلِمينَ أفضَلُ، فالكَراهةُ إنَّما تَتعلَّقُ بإِيثارِ الذِّميِّينَ على المُسلِمين لا بالوَصيةِ نَفسِها للذِّميِّينَ؛ لأنَّ في ذلك أَجرًا على كلِّ حالٍ، ففي مُوطَّأِ ابنِ وَهبٍ عن مالِكٍ فيمَن نذَرَ صَدقةً على كافِرٍ


(١) «أحكام أهل الذمة» (١/ ٦٠٦، ٦١٢).
(٢) «كشاف القناع» (٤/ ٤٢٨)، و «شرح منتهى الإرادات» (٤/ ٤٦٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>