للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد رُويَ عن أَبي عبدِ اللهِ أنَّه قالَ في حَديثِ ابنِ عَباسٍ: هذا عِنْدِي في المَريضِ والمُرضِعِ، وقد ثبَتَ: «أَنَّ النَّبيَّ أمَرَ سَهلَةَ بنتَ سُهيلٍ، وحَمنَةَ بنتَ جَحشٍ، لمَّا كانَتا مُستَحاضتَينِ بتَأخيرِ الظُّهرِ وتَعجيلِ العَصرِ، والجَمعِ بينَهما بِغُسلٍ واحِدٍ» (١).

فأباحَ لهما الجَمعَ لِأجلِ الاستِحاضةِ، وأَخبارُ المَواقِيتِ مَخصوصةٌ بالصُّورِ التي أجمَعنا على جَوازِ الجَمعِ فيها، فيَختَصُّ منها محَلُّ النِّزاعِ بما ذكَرْنا (٢).

إلا أنَّ المالِكيةَ يرَونَ أنَّ الجَمعَ الجائِزَ بسَببِ المرَضِ هو جَمعُ التَّقديمِ فَقط لمَن خافَ الإغماءَ أو الحُمَّى، أو كانَ به بَطنٌ أو غيرُها، وإن سلِمَ مِنْ هذه الأَمراضِ ولم تُصِبه، أعادَ الثانيةَ في وقتِها.

أمَّا الحَنابلَةُ فيرَونَ أنَّ المَريضَ مُخيَّرٌ بينَ التَّقديمِ والتَّأخيرِ، كالمُسافرِ، فإنِ استَوَى عندَه الأَمرانِ فالتَّأخيرُ أَولى؛ لأنَّ وقتَ الثانيةِ وقتٌ للأُولى حَقيقةً بخِلافِ العَكسِ، والمرَضُ المُبيحُ لِلجَمعِ عندَ الحَنابلَةِ هو ما يَلحَقُه فيه بتَأديةِ كلِّ صَلاةٍ في وقتِها مَشقَّةٌ وضَعفٌ.

وقالَ القاضِي حُسينٌ: يَجوزُ الجَمعُ بعُذرِ المرَضِ تَقديمًا وتَأخيرًا، والأَولى أن يَفعلَ أرفَقَهما به.


(١) حَدِيث حَمنةَ رواه أبو داودَ (٢٨٧)، وصَحَّحه الألباني. وحَدِيث سَهلَةَ رواه أبو داودَ (٢٩٥)، وضَعَّفه الألبانِيُّ.
(٢) «المغني» (٢/ ٥١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>