بالوَصيةِ لقَرابتِه منهم على المُسلِمينَ الأَجنبيِّينَ، فرأى الوَصيةَ للمُسلِمينَ الأَجنبيِّينَ أفضَلَ من الوَصيةِ لقَرابتِه الذِّميِّينَ.
وقَولُه:«وكانَ قبلَ ذلك يُجيزُه» مَعناه من غيرِ كَراهيةٍ؛ لمَا جاءَ في صِلةِ الرَّحمِ من الأَجرِ، والوَجهُ في ذلك أنَّه لم يَترجَّحْ عندَه على هذا القَولِ الأفضَلُ من الوَجهَينِ، فأَجازَه من غيرِ كَراهةٍ، وهي رِوايةُ ابنِ وَهبٍ عنه أنَّ الوَصيةَ للكافِرِ جائِزةٌ، واحتَجَّ بالحُلةِ التي كَساها عُمرُ أخًا له مُشرِكًا بمَكةَ، وهو الذي ذهَبَ إليه ابنُ القاسِمِ في رِوايةِ عيسى عنه، وقَولُه قبلَ ذلك:«وأَراه حَسنًا» قَولٌ ثالِثٌ في المَسألةِ، وأنَّه رأى الأَجرَ في الوَصيةِ لصِلةِ رَحمِه وإنْ كانوا ذِميِّينَ أكثَرَ من الأَجرِ في المُسلِمينَ الأَجنبيِّينَ.
وأمَّا الوَصيةُ للأَباعدِ من الذِّميِّينَ فلا اختِلافَ في كَراهةِ ذلك؛ لأنَّ الوَصيةَ للمُسلِمينَ أفضَلُ، فالكَراهةُ إنَّما تَتعلَّقُ بإِيثارِ الذِّميِّينَ على المُسلِمينَ لا بالوَصيةِ نَفسِها للذِّميِّينَ؛ لأنَّ في ذلك أَجرًا على كلِّ حالٍ، ففي مُوطَّأِ ابنِ وَهبٍ عن مالِكٍ فيمَن نذَرَ صَدقةً على كافرٍ أنَّ ذلك يَلزمُه، وقالَ في مَوضعٍ آخَرَ: إنْ قالَ: «مالي صَدقةٌ على فُقراءِ اليَهودِ» أنَّ ذلك يَلزمُه يَتصدَّقُ عليهم بثُلثِ مالِه، وقد قالَ اللهُ ﷿: ﴿وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨)﴾ [الإنسان: ٨] والأَسيرُ الكافرُ، فإذا أَوصَى إليهم شَفقةً عليهم لفَقرِهم جازَ ذلك على كَراهةٍ؛ لأنَّ الأَجرَ في الصَّدقةِ على فُقراءِ المُسلِمينَ أحرى والإِشفاقُ عليهم يَنبَغي أنْ يَكونَ أكثَرَ، وقد أجازَ أَشهَبُ الوَصيةَ للذِّميِّينَ كانوا ذَوي قَرابةٍ أو أَجنبيِّينَ إِجازةً مُطلَقةً دونَ كَراهةٍ،