للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّ المُوصيَ إذا علِمَ بمَوتِ المُوصَى له فأَوصَى له فالوَصيةُ صَحيحةٌ لقَولِ اللهِ تَعالى: ﴿فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ﴾ فعَمَّ، ولأنَّه آدَميٌّ صَحَّت الوَصيةُ له كالحَيِّ، ولأنَّها أحدُ أَحوالِ الآدَميِّ فجازَت الوَصيةُ فيها كحالِ الحَياةِ، ولأنَّ الغَرضَ بالوَصيةِ نَفعُ المُوصَى له على وَجهٍ يَصحُّ من العُقلاءِ قَصدُه، وذلك يَختلِفُ باختِلافِ حالِ من يُوصَى له، تارةً يَكونُ بالتَّمليكِ للحَيِّ، وتارةً يَكونُ بغيرِه كالوَصيةِ للمَسجدِ والقَنطرةِ والجُسورِ وما أشبَهَ ذلك، فإذا أَوصَى لمَسجدٍ فقد عُلمَ أنَّه لم يُرِدْ تَمليكَه وإنَّما أرادَ صَرفَ الوَصيةِ في مَصالِحِه، وكذلك الجُسورُ والقَنطرةُ، وكذلك إذا أَوصَى لمَيتٍ وهو يَعلمُ أنَّه مَيتٌ، إنَّما أرادَ صَرفَ الوَصيةِ في وُجوهِ نَفعِه ومَصالحِه.

والغَرضُ من الوَصيةِ للمَيتِ أنْ يَكونَ مالُه الذي يَتركُه يُتصدَّقُ به عنه ويُقضَى منه دُيونَه إنْ كانَ عليه دَينٌ، ويَرثُه وَرثتُه إنْ لم يَكنْ عليه دَينٌ أو يَرثونَ الباقيَ، وسَواءٌ علِمَ المُوصي أنَّ على المُوصَى له دَينًا أو له وارِثٌ أو لا.

وحيث لم يَكنْ عليه دَينٌ ولا وارِثَ له فقَولانِ في المَذهبِ:

أحدُهما: أنَّها تَكونُ لبَيتِ المالِ؛ لأنَّه وارِثٌ شَرعيٌّ فيُدفعُ له حيثُ لم يَكنْ له وارِثٌ ولا عليه دَينٌ.

والثاني: تَبطلُ الوَصيةُ ولا تُعطَى لبَيتِ المالِ بِناءً على أنَّ بَيتَ المالِ حائِزٌ وليسَ بوارِثٍ (١).


(١) «المدونة الكبرى» (١٥/ ٧٣)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٥/ ١٨٠، ١٨١)، رقم (١٩٣٥)، و «المعونة» (٢/ ٥١٩)، و «بداية المجتهد» (٢/ ٢٥١)، و «شرح مختصر خليل» (٨/ ١٧٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٤٩٠)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٣٧١)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٣١)، و «حاشية الصاوي على الشرح الصغير» (١٠/ ٤٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>