للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا يُؤاخَذونَ بما استَهلَك بعضُهم على بعضٍ وبما اغتصَبَ بعضُهم من بعضٍ، بل يَبطلُ ذلك كذا هذا (١).

وقالَ المَوصِليُّ: ووَصيةُ الذِّميِّ للبَيعةِ والكَنيسةِ تَجوزُ، اعلَمْ أنَّ وَصيةَ الذِّميِّ إمَّا أنْ تَكونَ قُربةً عندَنا وعندَهم، أو عندَهم، أو عندَنا، أو لا تَكونَ قُربةً أَصلًا؛ فالأولُ مِثلُ الوَصيةِ لبَيتِ المَقدسِ في عِمارتِه ودَهنِ مَصابيحِه، والوَصيةُ للغُزاةِ الذين يُقاتِلونَ مَنْ خالَفَهم من أهلِ الحَربِ، فهذه صَحيحةٌ؛ لأنَّها قُربةٌ في الحَقيقةِ وفي مُعتقدِهم، ومِثالُ الثاني أنْ يُوصيَ بدارِه لبَيعةٍ أو كَنيسةٍ أو لبِناءِ بَيعةٍ أو كَنيسةٍ، أو أَوصَى أنْ تُذبحَ خَنازيرُه ويُطعَمَ المُشرِكونَ؛ فإنَّه يَجوزُ، وقالَ أَبو يُوسفَ ومُحمدٌ: لا يَجوزُ؛ لأنَّ ذلك مَعصيةٌ، وفي الجَوازِ تَقريرُها فلا تَجوزُ، ولأَبي حَنيفةَ أنَّ ذلك قُربةٌ في مُعتقدِهم وقد أُمِرنا أنْ نَتركَهم وما يَدينونَ، قالَ : «اترُكوهم وما يَدينونَ» أي: يَعتقِدونَ، فيَجوزُ ذلك بِناءً على اعتِقادِهم، وأمَّا قَولُه بأنَّه تَقريرُ المَعصيةِ فليس بشَيءٍ؛ لأنَّ ذلك لو مُنعَ لما جازَ قَبولُ الجِزيةِ؛ لأنَّه تَقريرٌ لكُفرِهم وبَقائِهم عليه؛ ومِثالُ الثالِثةِ الوَصيةُ لمَساجِدِنا بالعِمارةِ والحَجِّ وغيرِ ذلك، فهي باطِلةٌ نَظرًا إلى اعتِقادِهم، ومِثالُ الرابِعةِ الوَصيةُ للنَّوائحِ والمُغنِّياتِ؛ فإنَّه لا يَجوزُ؛ لأنَّه مَعصيةٌ عندَنا وعندَهم وفي جَميعِ الأَديانِ فلا وَجهَ إلى الجَوازِ، ولو كانَ لقَومٍ مَعلومينَ مُعيَّنينَ جازَ بطَريقِ التَّمليكِ لا بطَريقِ الوَصيةِ والاستِخلافِ، وكذلك الفَصلُ الثالِثُ: حَربيٌّ دخَلَ دارَنا بأَمانٍ فأَوصَى بجَميعِ مالِه لمُسلمٍ أو ذِميٍّ جازَ؛ لأنَّ


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣٣٥)، وسيَأتي تَفصيلُ مَذهبِ الحَنفيةِ فيما لو أَوصَى بمُحرَّمٍ مثل بَيعةٍ أو كَنيسةٍ في الرُّكنِ الرابعِ المُوصَى به.

<<  <  ج: ص:  >  >>