يَفوتُ من مالِه ما يَحتاجُ إليه، وإذا رُدَّت رجَعَت إليه، وههنا لا يَرجعُ إليه بالرَّدِّ، والطِّفلُ لا عَقلَ له ولا يَصحُّ إِسلامُه ولا عِباداتُه، وقَولُه إذا وافَقَ الحَقَّ، يَعني إذا وَصَّى بوَصيةٍ يَصحُّ مِثلُها من البائِعِ، صَحَّت منه وإلا فلا، قالَ شُريحٌ وعبدُ اللهِ بنُ عُتبةَ وهُما قاضيانِ، من أَصابَ الحَقَّ أجَزْنا وَصيتَه (١).
وذهَبَ الحَنفيةُ والشافِعيةُ في المَذهبِ والحَنابِلةُ في قَولٍ إلى أنَّه يُشتَرطُ في المُوصي البُلوغُ، فلا تَصحُّ وَصيةُ الصَّغيرِ وسَواءٌ كانَ الصَّبيُّ مَأذونًا في التِّجارةِ أو مَحجورًا؛ لأنَّ الوَصيةَ ليسَت من بابِ التِّجارةِ؛ إذِ التِّجارةُ مُعاوَضةُ المالِ بالمالِ، وإنَّما لم تَصحَّ لأنَّه تَبرعٌ بالمالِ، أشبَهَ هِبتَه، ولأنَّه لا عِبارةَ له، ولأنَّه لا يَجوزُ طَلاقُه ولا يُحدُّ ولا يُقتصُّ منه، فكانَ قَولُه كعَدمِ قَولِه في هذه الأَشياءِ كذلك في وَصيتِه، ولأنَّها تَبرعٌ والصَّبيُّ ليسَ من أهلِ التَّبرعِ، ألَا تَرى أنَّه لا يَصحُّ هِبتُه في حالِ صِحتِه، وحالُ الصِّحةِ آكَدُ في الثُّبوتِ من الوَصيةِ، بدَليلِ أنَّ للبالِغِ أنْ يَهبَ جَميعَ مالِه في حالِ صِحتِه ولا يَجوزُ أنْ يُوصيَ بأكثَرَ من الثُّلثِ، فإذا لم تَجُزْ هِبتُه لم تَجُزْ وَصيتُه.
قالَ الحَنفيةُ: ولو أَوصَى ثم ماتَ بعدَ الإِدراكِ لا تَصحُّ وَصيتُه لعَدمِ الأَهليةِ وَقتَ المُباشرةِ.
وكذا لو أَضافَ الوَصيةَ إلى ما بعدَ الإِدراكِ بأنْ قالَ:«إذا أدرَكتُ ثم مِتُّ فثُلثُ مالي لفُلانٍ» لم يَصحَّ؛ لأنَّ عِبارتَه لم تَقعْ صَحيحةً فلا تُعتبَرُ في
(١) «المغني» (٦/ ١١٩، ١٢٠)، و «شرح الزركشي» (٢/ ٢٣٧)، و «مطالب أولي النهى» (٤/ ٤٤٣).