للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الشافِعيةُ: المُوصي إنْ كانَ جائِزَ التَّصرفِ في مالِه جازَت وَصيتُه للأَخبارِ، وإنْ لم يَكنْ جائِزَ التَّصرفِ كالمَجنونِ والمُبَرسَمِ والمَعتوهِ فلا تَصحُّ وَصيتُه؛ لأنَّ صِحةَ الوَصيةِ تَتعلَّقُ بالقَولِ، وقَولُ مَنْ هذه صِفتُه مُلغًى، والبِرسامُ والعَتهُ نَوعانِ من اختِلالِ العَقلِ كالمَجنونِ، والصَّبيُّ غيرُ المُميِّزِ كالمَجنونِ (١).

وقالَ ابنُ قُدامةَ: أمَّا الطِّفلُ -وهو مَنْ له دونَ السَّبعِ-، والمَجنونُ والمُبَرسَمُ فلا وَصيةَ لهم، وهذا قَولُ أكثَرِ أهلِ العِلمِ، منهم حُمَيدُ بنُ عبدِ الرَّحمنِ ومالِكٌ والأَوزاعيُّ والشافِعيُّ ، وأَصحابُ الرأيِ ومَن تبِعَهم، ولا نَعلَمُ أحدًا خالَفَهم إلا إِياسَ بنَ مُعاويةَ قالَ في الصَّبيِّ والمَجنونِ: إذا وافَقَت وَصيَّتُهما الحَقَّ جازَت، وليسَ بصَحيحٍ؛ فإنَّه لا حُكمَ لكَلامِهما ولا تَصحُّ عِبادتُهما ولا شَيءَ من تَصرُّفاتِهما، فكذا الوَصيةُ، بل أوْلى؛ فإنَّه إذا لم يَصحَّ إِسلامُهما وصَلاتُهما التي هي مَحضُ نَفعٍ لا ضَررَ فيها، فلَأنْ يَكونا لا يَصحُّ بَذلُهما المالَ يَتضرَّرُ به وارِثُهما أوْلى، ولأنَّها تَصرفٌ يَفتقِرُ إلى إِيجابٍ وقَبولٍ فلا يَصحُّ منهما كالبَيعِ والهِبةِ.

ثم قالَ: وأمَّا الذي يُجَنُّ أَحيانًا ويُفيقُ أَحيانًا فإنْ وَصَّى حالَ جُنونِه


(١) «روضة الطالبين» (٤/ ٣٦٤)، و «كفاية الأخيار» ص (٣٩٤)، و «النجم الوهاج» (٦/ ٢١٧)، و «مغني المحتاج» (٤/ ٦٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>