للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه لا يُجزِئُه إنْ أَطعمَ مِسكينًا واحِدًا عَشرةَ أَيامٍ؛ لأنَّ هذا خِلافٌ مُجرَّدٌ لأمرِ رَسولِ اللهِ ، ولا يَقعُ اسمُ عَشرةِ مَساكينَ على مِسكينٍ واحِدٍ أصلًا.

قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : مَسألةٌ: قالَ: (ومَن لم يُصِبْ إلا مِسكينًا واحِدًا ردَّدَ عليه في كلِّ يَومٍ تَتِمةَ عَشرةِ أَيامٍ.

وجُملَتُه أنَّ المُكفِّرَ لا يَخلو مِنْ أنْ يَجِدَ المَساكينَ بكَمالِ عَددِهم أو ألَّا يَجِدَهم، فإنْ وَجَدَهم لم يُجزِئْه إِطعامُ أقَلَّ مِنْ عَشَرةٍ في كَفارةِ اليَمينِ ولا أقَلَّ مِنْ سِتِّينَ في كَفارةِ الظِّهارِ وكَفارةِ الجِماعِ في رَمَضانَ، وبهذا قالَ الشافِعيُّ وأبو ثَورٍ وأجازَ الأوزاعيُّ دَفعَها إلى واحِدٍ، وقالَ أبو عُبَيدٍ: إنْ خَصَّ بها أهلَ بَيتٍ شَديدي الحاجةِ جازَ بدَليلِ أنَّ النَّبيَّ قالَ للمُجامِعِ في رَمضانَ حينَ أخبَرَه بشِدةِ حاجَتِه وحاجةِ أهلِه: «أطعِمْه عِيالَك»، ولأنَّه دفَعَ حَقَّ اللهِ تَعالى إلى مَنْ هو مِنْ أهلِ الِاستِحقاقِ فأجزَأه كما لو دفَعَ زَكاتَه إلى واحِدٍ، وقالَ أَصحابُ الرأيِ: يَجوزُ أنْ يُرَدِّدَها على مِسكينٍ واحِدٍ في عَشَرةِ أيامٍ إنْ كانَت كَفارَتُه يَمينًا، أو في سِتِّينَ إنْ كانَ الواجِبُ إطعامَ سِتِّينَ مِسكينًا، ولا يَجوزُ دَفعُها إليه في يَومٍ واحِدٍ، وحَكاه أبو الخَطابِ رِوايةً عن أحمدَ؛ لأنَّه في كلِّ يَومٍ قد أطعَمَ مِسكينًا ما يَجِبُ للمِسكينِ فأجزَأ كما لو أَعطى غَيرَه، ولأنَّه لو أطعَمَ هذا المِسكينَ مِنْ كَفارةٍ أخرى أجَزاه، فكذلك إذا أطعَمَه مِنْ هذه الكَفارةِ.

ولنا: قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ﴾ [المائدة: ٨٩]، ومَن أَطعمَ واحِدًا فما أطعَمَ عَشَرةً فما امتَثلَ الأمرَ، فلا يُجزِئُه، ولأنَّ اللَّهَ تَعالى جَعَلَ كَفارَتَه إطعامَ عَشَرةِ مَساكينَ، فإذا لم يُطعِمْ عَشَرةً فما أَتى

<<  <  ج: ص:  >  >>