إلا أن الفُقهاءَ اختَلَفوا فيما لو حنِثَ في الجَميعِ قبلَ التَّكفيرِ هل عليه في كلِّ يَمينٍ كَفارةٌ أم تَكفِيه كَفارةٌ واحِدةٌ للجَميعِ؟
فذهَبَ الحَنابِلةُ في المَذهبِ إلى أنْ مَنْ حنِثَ، ولَو في ألفِ يَمينٍ باللهِ تَعالى، ولَم يُكفِّرْ: فكَفارةٌ واحِدةٌ نصَّ عليه، رَواها ابنُ مَنصورٍ عن أَحمدَ قالَ القاضِي: وهي الصَّحيحةُ. وقالَ أَبو بَكرٍ: ما نقَلَه المَروذيُّ عن أَحمدَ قولٌ لأَبي عبدِ اللهِ ومَذهبُه أنَّ كَفارةً واحِدةً تُجزِئُه، وهو قولُ إِسحاقَ؛ لأنَّها كَفاراتٌ مِنْ جنسٍ فتَداخلَت كالحُدودِ مِنْ جنسٍ وإن اختَلفَت مَحالُّها كما لو زَنى بنِساءٍ أو سرَقَ مِنْ جَماعةٍ (١).
وذهَبَ جَماهيرُ أهلِ العِلمِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ في قولٍ إلى أنَّه عليه لكلِّ يَمينٍ كَفارةٌ؛ لأنَّهن أَيمانٌ لا يَحنثُ في إِحداهُنَّ بالحِنثِ في الأُخرَى فلَم تَتكفرْ إِحداهُما بكَفارةِ الأُخرى كما لو كفَّرَ عن إِحداهُما قبلَ الحِنثِ في الأُخرَى وكالأَيمانِ المُختَلفةِ الكَفارةِ وبهذا فارَقَ الأَيمانَ على شيءٍ واحِدٍ فإنَّه متى حنِثَ في إِحداهُما كانَ حانثًا في الأُخرَى فإنْ كانَ الحِنثُ واحِدًا كانَت الكَفارةُ واحِدةً وههُنا تَعدُّدُ الحِنثِ فتَعدَّدت الكَفاراتُ وفارَقَ الحُدودَ، فإنَّها وجَبَت للزَّجرِ وتَندَرئُ بالشُّبهاتِ بخِلافِ مَسأَلتِنا.
ولأنَّ الحُدودَ عُقوبةٌ بَدنيةٌ فالمُوالاةُ بينَها ربَّما أَفضَت إلى التَّلفِ
(١) «المغني» (٩/ ٤٠٦، ٤٠٧)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣١٠)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣١٠)، و «منار السبيل» (٣/ ٤٢٣).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute