للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذهَبَ مُتقدِّمو الحَنفيةِ ومالكٌ في رِوايةٍ إلى أنَّ مَنْ حلَفَ بالمُصحفِ أو القُرآنِ فإنَّه لا كَفارةَ فيهما إذا حنِثَ؛ لأنَّ القُرآنَ هو المَجموعُ المَكتوبُ في المُصحفِ بالعَربيةِ؛ لأنَّه مِنْ القَرءِ، وهو الجَمعُ، وأنَّه يَقتضِي الضمَّ والتَّركيبَ، وذلك مِنْ صِفاتِ الحادِثِ، فيَكونُ غيرَ اللهِ تَعالى وغيرَ صِفاتِه؛ لأنَّ صِفاتَه قائمَةٌ بذاتِه أَزليَّةٌ كهو، حتى لو حلَفَ بكَلامِ اللهِ كانَ يَمينًا؛ لأنَّ كَلامَه صِفةٌ قائمَةٌ بذاتِه لا يُوصفُ بشَيءٍ مِنْ اللُّغاتِ؛ لأنَّ اللُّغاتَ كلَّها مُحدَثةٌ مَخلوقةٌ، أو اصطِلاحِيةٌ على الاختِلافِ، فلا يَجوزُ أنْ تَكونَ قَديمةً، بل هي عِبارةٌ عن القَديمِ الذي هو كَلامُ اللهِ تَعالى.

وأما البَراءةُ مِنْ ذلك فيَمينٌ، كقولِه: «إنْ فَعلتُ كذا فأَنا بَريءٌ مِنْ القُرآنِ أو ممَّا في المُصحفِ أو مِنْ صَومِ رَمضانَ أو مِنْ الصَّلاةِ أو مِنْ الحَجِّ».

وأَصلُه: أنَّ كلَّ ما يَكونُ اعتِقادُه كُفرًا ولا تُحلُّه الشَّريعةُ ففيهِ الكَفارةُ إذا حنِثَ؛ لأنَّ الكُفرَ لا تَجوزُ استِباحتُه على التَّأبيدِ لحقِّ اللهِ تَعالى، فصارَ كحُرمةِ اسمِه (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ في المَشهورِ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ ومُتأخِّرو الحَنفيةِ وقولُ عامَّةِ أهلِ العِلمِ إلى أنَّ الحَلفَ بالقُرآنِ أو بآيةٍ منه أو بالمُصحفِ يَمينٌ مُنعقِدةٌ تَجبُ الكَفارةُ بالحِنثِ فيها؛ لأنَّ ابنَ الزُّبيرِ كانَ يَحلفُ على المُصحفِ، ولأنَّ الحالِفَ بالمُصحفِ إنَّما قصَدَ الحَلفَ بالمَكتوبِ فيه وهو القُرآنُ فإنَّه بينَ دَفتَي المُصحفِ بإِجماعِ المُسلِمينَ.


(١) «الاختيار» (٤/ ٦١، ٦٢)، و «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٦)، و «اللباب» (٢/ ٣٨٤)، و «حاشية ابن عابدين» (٣/ ٧١٣)، و «عمدة القاري» (٢٣/ ١٨٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>