ومنها: لو حلَفَ على زَوجتِه «لا تَخرُجينَ مِنْ بيتِي إلا بإِذنِي»، أو على عبدِه لا يَخرجُ إلا بإِذنِه، ثم طلَّقَ الزَّوجةَ، وأَعتقَ العبدَ فخرَجا بغيرِ إذنِه لَم يَحنَثْ، ذكَرَه أَصحابُ الإمامِ أَحمدَ.
قالَ صاحِبُ «المُغني»: لأنَّ قَرينةَ الحالِ تَنقُلُ حُكمَ الكَلامِ إلى نفسِها، وهو يَملكُ مَنعَ الزَّوجةِ والعبدِ معَ وِلايتِه عليهما؛ فكأنَّه قالَ:«ما دُمتُما في مِلكِي»، ولأنَّ السَّببَ يَدلُّ على النِّيةِ في الخُصوصِ كدِلالتِه عليها في العُمومِ، وكذلك لو حلَفَ لقاضٍ أنْ «لا أَرى مُنكرًا إلا رَفعتُه إليك» فعُزلَ لَم يَحنَثْ بعَدمِ الرَّفعِ إليه بعدَ العَزلِ، وكذلك إذا حلَفَ لامرَأتِه أنْ «لَا أَبيتُ خارجَ بيتِك أو خارجَ هذه الدارِ» فماتَت أو طلَّقَها لَم يَحنَثْ إذا باتَ خارِجَها، وكذلك إذا حلَفَ على ابنِه ألَّا يَبيتَ خارجَ البَيتِ لخَوفِه عليه مِنْ الفُساقِ؛ لكَونِه أَمردَ، فالتَحى وصارَ شيخًا لَم يَحنَثْ بمَبيتِه خارجَ الدارِ، وهذا كلُّه مَذهبُ مالكٍ وأَحمدَ؛ فإنَّهما يَعتبِرانِ النِّيةَ في الأَيمانِ وبِساطِ اليَمينِ وسَببِها وما هيَّجَها؛ فيَحملانِ اليَمينَ على ذلك.
وقالَ أَبو عُمرَ بنُ عبدِ البَرِّ في كِتابِ الأَيمانِ مِنْ كِتابِه «الكافِي في مَذهبِ مالكٍ»: والأصلُ في هذا البابِ مُراعاةُ ما نَواه الحالِفُ؛ فإنْ لَم تَكنْ له نِيةٌ نظَرَ إلى بِساطِ قِصتِه، وما أَثارَه على الحَلفِ، ثم حُكمَ عليه بالأَغلبِ مِنْ ذلك في نُفوسِ أَهلِ وقتِه.
وقالَ صاحبُ «الجَواهر»: المُقتضَياتُ للبِرِّ والحِنثِ أُمورٌ؛ الأَولُ: النِّيةُ إذا كانَت مما يَصلُحُ أنْ يُرادَ اللَّفظُ بها، سَواءٌ كانَت مُطابِقةً له أو زائِدةً فيه أو ناقِصةً عنه بتَقييدِ مُطلَقِه وتَخصيصِ عامِّه.