للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الحَنفيةُ: اليَمينُ المُؤبَّدةُ لَفظًا والمُؤقتَّةُ دِلالةً تُسمَّى يَمينَ الفَورِ، وهو أنْ يَكونَ ليَمينِه سَببٌ، فدَلالةُ الحالِ تُوجِبُ قَصرَ يَمينِه على ذلك السَّببِ، وذلك كلُّ يَمينٍ خرَجَتْ جَوابًا لكَلامٍ أو بِناءً على أَمرٍ فتَتقيَّدُ به بدَلالةِ الحالِ، نحوَ أنْ تَتهيَّأَ المَرأةُ للخُروجِ، فقالَ: «إنْ خرَجْتِ فأنتِ طالِقٌ»، فقعَدَتْ ساعَةً ثم خرَجَتْ لا تَطلُقُ.

وكذا إذا قالَ له: «تَغدَّ معي»، فقالَ: «واللَّهِ لا أتَغدَّى معَك، وإنْ تغدَّيْتُ فعَبدِي حرٌّ» فلَم يتَغدَّ معَه وذهَبَ إلى بَيتِه وتَغدَّى فإنَّه لا يَحنَثُ في هذه الوُجوهِ كلِّها.

قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ : وأما المُوقتُ دِلالةً فهو المُسمَّى يَمينَ الفَورِ وأَولُ مَنْ اهتَدى إلى جَوابِها أَبو حَنيفةَ، ثم كلُّ مَنْ سمِعَه استَحسنَه وما رآهُ المُؤمِنونَ حَسنًا فهو عندَ اللهِ حَسنٌ، وهو أنْ يَكونَ اليَمينُ مُطلقًا عن الوقتِ نصًّا ودِلالةُ الحالِ تَدلُ على تَقييدِ الشَّرطِ بالفَورِ بأنْ خرَجَ جَوابًا لكَلامٍ أو بِناءً على أَمرٍ نحوَ أنْ يَقولَ لآخرَ: «تَعالَ تَغدَّ معِي» فقالَ: «واللهِ لا أَتغَدَّى» فلَم يَتغَدَّ معَه ثم رجَعَ إلى مَنزلِهِ فتَغدَّى لا يَحنَثُ استِحسانًا، والقِياسُ أنْ يَحنَثَ وهو قولُ زُفرَ، وَجهُ القِياسِ أنَّه منَعَ نفسَه عن التَّغدِّي عامًا فصَرفُه إلى البعضِ دونَ البعضِ تَخصيصٌ للعُمومِ.

ولنا: أنَّ كَلامَه خرَجَ جَوابًا للسُّؤالِ فيَنصرِفُ إلى ما وقَعَ السُّؤالُ عنه، والسُّؤالُ وقَعَ عن الغِداءِ المَدعوِّ إليه فيَنصرِفُ الجَوابُ إليه كأنَّه أَعادَ السُّؤالَ وقالَ: «واللهِ لا أَتغَدَّى الغَداءَ الذي دَعوتَني إليه» وكذا إذا قامَت امرَأتُه لتَخرجَ مِنْ الدارِ فقالَ لها: «إنْ خَرجتِ فأنتِ طالقٌ» فقَعدَت ثم

<<  <  ج: ص:  >  >>