وقالَ تَعالى: ﴿لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ﴾ [البقرة: ٢٢٥]، ولَغوُ اليَمينِ ما سبَقَ به لِسانُ الحالفِ مِنْ غيرِ قَصدٍ ولا نِيةٍ، واليَمينُ الغَموسُ مَقصودةٌ، فكانَ بها مُؤاخذًا ومُؤاخَذتُه بها تُوجبُ تَكفيرَها.
ولأنَّها يَمينٌ باللهِ تَعالى قصَدَها مُختارًا؛ فوجَبَ إذا خالَفَها بفِعلِه أنْ تَلزمَه الكَفارة كالمُستقبلِ، ولأنَّه أَحدُ نوعَي اليَمينِ، فوجَبَ أنْ يَنقسمَ إلى برٍّ وحِنثٍ كالمُستقبلِ، ولأنَّ كلَّ ما كانَ في غيرِ اليَمينِ كَذبًا كانَ في اليَمينِ حِنثًا كالمُستقبلِ، ولأنَّها يَمينٌ تَتعَلقُ بالحِنثِ المُستقبلِ، فوجَبَ أن تَتعَلقَ بالحِنثِ الماضِي كاليَمينِ بالطَّلاقِ والعِتاقِ؛ لأنَّه لو حلَفَ بالطَّلاقِ والعِتاقِ لقد دخَلَ الدارَ، ولَم يَدخلْها لزِمَه الطَّلاقُ والعِتاقُ. وكما لو حلَفَ ليَدخلَها في المُستقبلِ، فلم يَدخلْها كذلك في اليَمينِ باللهِ، ولأنَّ وُجوبَ الكَفارة في الأَيمانِ أَعمُّ في المَأثمِ؛ لأنَّها قد تَجبُ فيما يَأثمُ به ولا يَأثمُ، فلمَّا لحِقَه المَأثمُ في الغَموسِ كانَ بوُجوبِ الكَفارة أَولى.
فإذا ثبَتَ وُجوبُ الكَفارة في اليَمينِ الغَموسِ على الماضِي في إِثباتِ ما لَم يَكنْ، أو نَفيِ ما قد كانَ، فهي يَمينٌ مَحلولةٌ غيرُ مُنعقِدةٍ؛ لأنَّ عَقدَها إنَّما يَكون فيما يُنتَظرُ بعدَها مِنْ برٍّ أو حِنثٍ، وهذه اليَمينُ قد اقتَرنَ بها الحِنثُ بعدَ استِيفاءِ لَفظِها، فلذلك لَم تَنعَقدْ، ووجَبَت الكَفارة باستِيفاءِ اليَمينِ (١).
(١) «الحاوي الكبير» (١٥/ ٢٦٧)، و «المهذب» (٢/ ١٢٨، ١٢٩)، و «البيان» (١٠/ ٤٨٨)، و «روضة الطالبين» (٧/ ١١٩)، و «المغني» (٩/ ٣٩٢)، و «الكافي» (٤/ ٣٧٤).