للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

واستِيفاءَ الفِكرِ الذي يُتوصلُ به إلى إِصابةِ الحقِّ في الغالبِ، فهي في مَعنى الغَضبِ المَنصوصِ عليه فتَجري مَجراه.

فمَن قصَرَ النَّهىَ على الغَضبِ وَحده دونَ الهمِّ المُزعِجِ والخَوفِ المُقلِقِ والجُوعِ والظَّمأِ الشَّديدِ وشُغلِ القَلبِ المانعِ مِنْ الفَهمِ؛ فقد قلَّ فِقهُه وفَهمُه.

وإنْ حكَمَ في هذه الأَحوالِ صحَّ حُكمُه عندَ الحَنفيةِ والمالِكيةِ والشافِعيةِ والحَنابِلةِ في المَذهبِ؛ لأنَّ الزُّبيرَ ورَجلًا مِنْ الأَنصارِ اختصَما إلى رَسولِ اللهِ في شِراجِ الحَرةِ فقالَ رَسولُ اللهِ للزُّبيرِ: «اسقِ زَرعَكَ ثُم أرسلِ الماءَ إلى جارِكَ، فقالَ: الأَنصاريُّ: وإنْ كانَ ابنُ عَمتِكَ يا رَسولَ اللهِ. فغضِبَ رَسولُ اللهِ حتى احمَرَّ وَجهُه، ثُم قالَ للزُّبيرِ: اسقِ زَرعَكَ واحبسِ الماءَ حتى يَبلغَ الجَدرِ ثُم أرسلْه إلى جارِكَ» (١). فحكَمَ في حالِ الغَضبِ.

وذهَبَ القاضِي مِنْ الحَنابِلةِ إلى أنَّه إذا حكَمَ في هذه الحالِ لا يَنفذُ قَضاؤُه؛ لأنَّه مَنهيٌّ عنه، والنَّهيُ يَقتضي فَسادَ المَنهي عنه.

قالَ ابنُ رُشدٍ: «اتفَقُوا -فيما أَعلمُ- على أنَّه يَنفذُ حُكمُه ويُحتملُ أنْ يُقالَ لا يَنفذُ فيما وقَعَ عليه النصُّ وهو الغَضبانُ؛ لأنَّ النَّهيَ يَدلُّ على فَسادِ المَنهيِّ عنه» (٢).


(١) أخرجه البخاري (٤٣٠٩)، ومسلم (٢٣٥٧).
(٢) «بداية المجتهد» (٢/ ٣٥٥)، وينظر: «شرح فتح القدير» (٧/ ٢٧١)، و «شرح صحيح البخاري» (٨/ ٢٢٦)، و «الكافي» (٤٩٧)، و «القوانين الفقهية» ص (١٩٥)، و «الحاوي الكبير» (١٦/ ٣٢، ٣٣)، و «المهذب» (٢/ ٢٩٣)، و «شرح صحيح مسلم» (١٢/ ١٥)، و «المغني» (١٠/ ٩٩)، و «الكافي» (٤/ ٤٤٢)، و «علام الموقعين» (١/ ٢١٧)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣٦٩، ٣٧٠)، و «المبدع» (١٠/ ٣٨، ٣٩)، و «الإنصاف» (١١/ ١٠٩)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>