واحتَجُّوا بقَولِّ النَّبيِّ ﷺ:«مَنْ رَأى منكم مُنكرًا فليُغيرْه بيدِه، فإنْ لمْ يَستطعْ فبِلسانِه، فإنْ لمْ يَستطعْ فبِقلبِه» وإذا رَأى الحاكمُ وَحدَه عُدوانَ رَجلٍ على رَجلٍ وغصَبَه مالَه أو سمِعَ طَلاقَه لامرَأتِه وعِتقَه لعَبدِه، ثُم رَأى الرَّجلَ مُستمرًا على إِمساكِ الزَّوجةِ أو بَيعِ مَنْ صرَّحَ بعِتقِه فقد أقَرَّ على المُنكرِ الذي أُمرَ بتَغييرِه.
قالَ الآخرونُ: هو مَأمورٌ بتَغييرِ ما يَعلمُ الناسُ أنَّه مُنكَرٌ بحيثُ لا تَتطرقُ إليه تُهمةٌ في تَغييرِه، وأمَّا إذا عمَدَ إلى رَجلٍ معَ زَوجتِه وأَمتِه ولمْ يَشهدْ أَحدٌ أنَّه طلَقَها ولا أعتَقَها البَتةَ ولا سمِعَ بذلك أَحدٌ قطُّ ففرَّقَ بينَهما وزعَمَ أنَّه طلَّقَ وأعتَقَ، فإنَّه يُنسبُ ظاهرًا إلى تَغييرِ المَعروفِ بالمُنكرِ وتَطرقِ الناسِ إلى اتهامِه والوُقوعِ في عِرضِه.
وهل يَسوغُ للحاكمِ أنْ يَأتِيَ إلى رَجلٍ مَستورٍ بينَ الناسِ غيرِ مَشهورٍ بفاحشةٍ وليسَ عليه شاهدٌ واحدٌ بها فيَرجمُه ويَقولُ رَأيتُه يَزني، أو يَقتلُه ويَقولُ سمِعتُه يَسبُّ، أو يُفرقُ بينَ الزَّوجينِ ويَقولُ سمِعْتُه يُطلقُ، وهل هذا إلا مَحضُ التُّهمةِ؟! ولو فُتحَ هذا البابُ ولا سيما لقُضاةِ الزَّمانِ لوجَدَ كلُّ قاضٍ له عُدوٌّ السَّبيلَ إلى قَتلِ عَدوِّه ورَجمِه وتَفسيقِه والتَّفريقِ بينَه وبينَ امرَأتِه، ولا سيما إذا كانَت العَداوةُ خَفيةً لا يُمكنُ لعَدوِّه إِثباتُها.
وحتى لو كانَ الحقُّ هو حُكمُ الحاكمِ بعِلمِه لوجَبَ مَنعُ قُضاةِ الزَّمانِ مِنْ ذلك، وهذا إذا قيلَ في شُريحٍ وكَعبِ بنِ سَوارٍ وإِياسِ بنِ مُعاويةَ والحَسنِ البَصريِّ وعِمرانِ الطَّلحيِّ وحَفصِ بنِ غَياثٍ وأَضرابِهم كانَ فيه ما فيه.