وَلا بدَّ مِنْ اقتِرانِ النِّيةِ بالفِعلِ؛ لأنَّ السَّفرَ الشَّرعيَّ لا بدَّ فيه مِنْ نيَّةِ السَّفرِ، ولا تُعتبَرُ النِّيةُ إلا إذا كانَت مُقارِنةً للفِعلِ وهو الخُروجُ؛ لأنَّ مُجرَّدَ قَصدِ الشَّيءِ مِنْ غيرِ اقتِرانٍ بالفِعلِ يُسمَّى عَزمًا ولا يُسمَّى نيَّةً، ولأنَّ فِعلَ السَّفرِ لا يَتحقَّقُ إلا بعدَ الخُروجِ مِنْ المِصرِ، فلمَّا لم يَخرُج، لم يَتحقَّق قِرانُ النِّيةِ بالفِعلِ، فلا يَصيرُ مُسافِرًا.
الشَّريطةُ الثانيةُ: نيَّةُ مَسافةِ السَّفرِ، فلكَي يَصيرَ المُقيمُ مُسافِرًا لا بدَّ أن يَنوِيَ سَيرَ مَسافةِ السَّفرِ الشَّرعِيِّ؛ لأنَّ السَّيرَ قد يَكونُ سَفرًا، وقد لا يَكونُ، فالإِنسانُ قد يَخرجُ مِنْ مَوطِنِ إقامَتِه إلى مَوضعٍ لِإصلاحِ الضَّيعةِ، ثم تَبدُو له حاجَةٌ أُخرى إلى المُجاوَزةِ عنه إلى مَوضعٍ آخرَ، وليسَ بينَهما مدَّةُ سَفرٍ، ثم يَتجاوَزُ ذلك إلى مَكانٍ آخرَ وهكذا، إلى أن يَقطعَ مَسافةً بَعيدةً أكثرَ مِنْ مدَّةِ السَّفرِ، لا يَقصِدُ السَّفرَ، فلا بدَّ مِنْ النِّيةِ للتَّمييزِ. وعلى هذا قالوا: أميرٌ خرَجَ مع جَيشِه في طَلَبِ العَدُوِّ، ولم يَعلَم أينَ يُدرِكُهم، فإنَّهم يُصلُّونَ صَلاةَ المُقيمِ في الذَّهابِ، وإن طالَتِ المدَّةُ، وكذا المُكثُ في ذلك المَوضِعِ، وأمَّا في الرُّجوعِ فإن كانَت مدَّةَ سَفرٍ قَصَروا. وكذلك لو طافَ الدُّنيا مِنْ غيرِ قَصدٍ إلى قَطعِ المَسافةِ، لا يُعَدُّ مُسافِرًا، ولا يَترخَّصُ (١).
(١) «بدائع الصنائع» (١/ ٩٤)، و «الهداية» (١/ ٩٧)، و «المحيط البرهاني» (٢/ ١٢٤)، و «العناية شرح الهداية» (٣/ ٦٢)، و «درر الحكام» (٢/ ٣٢٠)، و «البحر الرائق» (٢/ ١٣٩)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٢٨)، و «ابن عابدين» (٢/ ١٢٢).