للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والاجتِهادُ شَرطٌ للأَولويةِ لا شَرطُ الصِّحةِ؛ لمَا رُويَ عن عَليٍّ قالَ: بعَثَني رَسولُ اللهِ إلى اليَمنِ قاضيًا، فقلْتُ: يا رَسولَ اللهِ تُرسلُنى وأنا حَديثُ السِّنِّ ولا عِلمَ لي بالقَضاءِ، فقالَ: «إنَّ اللهَ سيَهدِي قَلبَكَ ويُثبتُ لِسانَكَ، فإذا جلَسَ بينَ يَديكَ الخَصمانِ فلا تَقضينَّ حتى تَسمعَ مِنْ الآخرِ كما سَمِعتَ مِنْ الأَولِ، فإنَّه أَحرى أنْ يَتبينَ لكَ القَضاءُ»، قالَ: «فما زلْتُ قاضيًا أو ما شكَكْتُ في قضاءٍ بعدُ» (١).

ولأنَّ المَقصودَ هو القَضاءُ، وهو إِيصالُ الحَقِّ إلى مُستحِقِّه، وهو يَحصلُ بالرُّجوعِ إلى فَتوى غيرِه مِنْ العُلماءِ.

لكنْ معَ هذا لا يَنبغي أنْ يُقلدَ الجاهلُ بالأَحكامِ؛ لأنَّ الجاهلَ بنَفسِه ما يُفسدُ أَكثرُ مما يُصلحُ، بل يَقضي بالباطلِ مِنْ حيثُ لا يَشعرُ به، إلا أنَّه لو قُلدَ جازَ؛ لأنَّه يَقدرُ على القَضاءِ بالحَقِّ بعِلمِ غيرِه بالاستفتاءِ مِنْ الفُقهاءِ، فكانَ تَقليدُه جائزًا في نَفسِه فاسدًا لمَعنًى في غيرِه، والفاسدُ لمَعنًى في غيرِه يَصلحُ للحُكمِ مثلُ الجائزِ حتى يَنفذَ قَضاياه التي لمْ يُجاوزْ فِيهَا حدَّ الشَّرعِ، وهو كالبَيعِ الفاسدِ فإنَّه مثلُ الجائزِ في حَقِّ الحُكمِ، كذا هذا (٢).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه يُشترطُ في القاضِي أنْ يَكونَ مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ عالمًا بالكِتابِ والسُّنةِ والإِجماعِ والاختِلافِ والقِياسِ ولِسانِ العَربِ، واستدَلُّوا على ذلك بما يلي:


(١) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه الإمام أحمد (٦٣٦)، وأبو داود (٣٥٨٤)، وابن حبان في «صحيحه» (٥٠٦٥).
(٢) «بدائع الصنائع» (٧/ ٣)، و «الفتاوى الهندية» (٣/ ٣٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>