للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْ أَهلِ الذِّمةِ، فقد قالَ الماوَرديُّ الرّويانِيُّ: «إنما هي رِياسةٌ وزَعامةٌ لا تَقليدُ حُكمٍ وقَضاءٌ، ولا يَلزمُهم حُكمُه بإِلزامِه بل بالتِزامِهم، ولا يُلزمونَ بالتَّحاكمِ عندَه» (١).

وقَولُه تَعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ [الحجرات: ٦].

وَجهُ الدِّلالةِ: أنَّ الآيةَ أَوجبَتِ التَّبينَ في حالِ الشَّهادةِ وخاصةً إذا كانَ الشاهدُ فاسقًا، مما يَعني عَدمَ قَبولِ شَهادتِه، فيَكون عَدمُ قَبولِ شَهادةِ الكافرِ أَولى وكذا عَدمُ جَوازِ قَضائِه بينَ المُسلِمينَ؛ لأنَّه إذا لمْ يَصحَّ شاهدًا فأَولى ألَّا يَكونَ قاضيًا فلا تَجوزُ تَوليةُ مَنْ فيه نَقصٌ يَمنعُ قَبولَ قَولِه، ولا يَجوزُ أنْ يَكونُ الحاكمُ مِمَّنْ لا يُقبلُ قَولُه ويَجب التَّبيينُ عندَ حُكمِه.

ولأنَّ الكُفرَ يَقتضي إِذلالَ صاحبِه والقَضاءُ يَقتضِي احترامَه، وبينَهما مُنافاةٌ، ولأنَّه يُشترطُ في الشَّهادةِ الإِسلامُ فالقَضاءُ أَولى (٢).

وقد نقَلَ الإِجماعَ على ذلك جَماعةٌ مِنْ أَهلِ العِلمِ.

قالَ الإِمامُ الشافِعيُّ : «الذي أَحفظُ مِنْ قَولِ أَصحابِنا وَقياسِه أنَّهم لا يَنظرونَ فيما بينَ أَهلِ الكِتابِ ولا يَكشفونَهم عن شَيءٍ مِنْ أَحكامِهم فيما بينَهم، وأنَّهم لا يُلزمونَ أَنفسَهم الحُكمَ بينهم إلا أنْ يَتدارءوا هم والمُسلمونَ، فإنْ فعَلُوا فلا يَجوزُ أنْ يَحكمَ لمُسلمٍ ولا عليه إلا مُسلمٌ


(١) «النجم الوهاج» (١٠/ ١٤٣)، و «مغني المحتاج» (٦/ ٢٨٧، ٢٨٨).
(٢) «المغني» (١٠/ ٩٢)، و «شرح الزركشي» (٣/ ٣٦٦)، و «كشاف القناع» (٦/ ٣٧٤)، و «شرح منتهى الإرادات» (٦/ ٤٧٥)، و «بدائع الصنائع» (٧/ ٣)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>