للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوَطَنِ الأوَّلِ، ورافِضًا سُكناه، فيَخرُجَ الوَطنُ الأوَّلُ مِنْ أن يَكونَ وَطنًا أصلِيًّا له، حتى لو دخَلَ فيه مُسافِرًا، لا تَصيرُ صَلاتُه أربَعًا.

وأصلُه أنَّ رَسولَ اللهِ والمُهاجِرينَ مِنْ أَصحابِه كانوا مِنْ أهلِ مَكةَ، وكانَ لهم بها أوطانٌ أصلِيَّةٌ، ثم لمَّا هاجَروا وتَوطَّنوا بالمَدينةِ وجَعَلوها دارًا لِأنفُسِهم انتَقَضَ وطَنُهم الأصلِيُّ بمَكةَ، حتى كانوا إذا أتَوا مَكةَ يُصلُّونَ صَلاةَ المُسافِرينَ.

حتى قالَ النَّبيُّ حينَ صلَّى بهم: «أَتمُّوا يا أَهلَ مَكةَ صَلاتَكُم فإنَّا قَومٌ سَفرٌ» (١)؛ ولا يَنتقِضُ الوطَنُ الأصلِيُّ بوطَنِ الإِقامةِ، ولا بوطَنِ السُّكنَى؛ لأنَّهما دُونَه، والشَّيءُ لا يُنسَخُ بما هو دُونَه، وكذا لا يَنتقِضُ بنيَّةِ السَّفرِ والخُروجِ مِنْ وطَنِه حتى يَصيرَ مُقيمًا بالعَودِ إليه مِنْ غيرِ نيَّةِ الإِقامةِ؛ لمَا ذكَرْنا أنَّ النَّبيَّ كانَ يَخرجُ مِنْ المَدينةِ مُسافِرًا، وكانَ وطَنُه بها باقِيًا حتى يَعودَ مُقيمًا فيها مِنْ غيرِ تَجديدِ النِّيةِ (٢).


(١) رواه أبو داود (١٢٢٩)، وابن خُزَيمة في «صحيحه» (٣/ ٧٠)، وضَعَّفه الألبانِيُّ في «ضعيف أبي داود» (١٠٤٠) لكن صَحَّ عن عُمَرَ .
(٢) «بدائع الصنائع» (١/ ١٠٣، ١٠٤)، و «المبسوط» (١/ ٢٥٢)، و «ابن عابدين» (٢/ ١٣٢)، و «شرح فتح القدير» (٢/ ٤٣)، و «تبيين الحقائق» (١/ ٢١٤)، و «العناية شرح الهداية» (٢/ ٣٧٩)، و «درر الحكام» (٢/ ١١٠، ١١٢)، و «الفتاوى الهندية» (١/ ١٤٢)، و «الشرح الكبير» (١/ ٣٦٢)، و «مغني المحتاج» (١/ ٢٦٢)، و «كشاف القناع» (١/ ٣٢٧، ٣٣٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>