للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ المالِكيةُ: «يُستحبُّ طَلبُ القَضاءِ لمُجتهدٍ خفِيَ عِلمُه على الناسِ، فأرادَ السَّعيَ في القَضاءِ ليُعرفَ مَوضعُ عِلمِه، فيُستحبُّ له تَحصيلُ ذلك والدُّخولُ فيه بهذه النِّية، وكذا إذا كانَ هناك عالمٌ خفِيَ عِلمُه عن الناسِ فأرادَ الإِمامُ أنْ يُشهرَه بوِلايةِ القَضاءِ ليُعلِّمَ الجاهلَ ويُفتيَ المُسترشِدَ. أو كانَ عاجزًا عن قُوتِه وقُوتِ عيالِه إلا برزقِ القَضاءِ فيُستحبُّ له طَلبُ القَضاءِ» (١).

وقالَ الشافِعيةُ: «يُندبُ طَلبُ القَضاءِ إنْ كانَ خاملَ الذِّكرِ لا يَقصدُه الناسُ للفُتيا والتَّدريسِ .. فيُستحبُّ له القَضاءُ؛ ليَشتهرَ في الناسِ ويُنتفعَ بعِلمِه.

أو لمْ يَكنْ خاملَ الذِّكرِ لكنْ كانَ مُحتاجًا إلى الرزقِ ويَرجو بالقَضاءِ أَخذَ الرَّزقِ عليه مِنْ بَيتِ المالِ .. يُستحبُّ له طَلبُ القَضاءِ؛ لأنَّه لا بدَّ له مِنْ مُكتسَبٍ، واكتِسابُه بتَولي الطاعةِ أَولى مِنْ الاكتِسابِ بغيرِه.

وُيندبُ الطَّلبُ أيضًا إذا كانَتِ الحُقوقُ مُضاعةً لجَورٍ أو عَجزٍ أو فسَدَتِ الأَحكامُ بتَوليةِ جاهلٍ، فيَقصدُ بالطَّلبِ تَداركَ ذلك، وقد أخبَرَ اللهُ تَعالى عن نَبيِّه يُوسفَ -عليه صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليه- أنَّه طلَبَ فقالَ: ﴿اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ﴾ [يوسف: ٥٥]، وإنما طلَبَ ذلك شَفقةً على خَلقِ اللهِ لا مَنفعةَ نَفسِه.

ومَن استُحبَّ له وِلايةُ القَضاءِ إذا دُعيَ إليه .. فهل يُستحبُّ له طَلبُه وبَذلُ العِوضِ منه لذلك؟ فيه قَولانِ:


(١) «تبصرة الحكام» (١/ ١٤)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٥٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>