وإنْ لمْ يَتعيَّنْ عليه القَضاءُ بأنْ لمْ يَختصَّ بشَرائطِ القَضاءِ ولمْ يَنفردْ بها بل هناك مَنْ هو مثلُه ولمْ يَخفْ فِتنةً ولا ضَياعَ الحَقِّ على أَربابِه؛ فإنَّه لا يَلزمُه القَبولُ ولا الطَّلبُ فلو عيَّنَه الإِمامُ للقَضاءِ فإنَّه يَجوزُ له أنْ يَهربَ منه وإنْ كانَ مِنْ فُروضِ الكِفاياتِ؛ لأنَّ فُروضَ الكِفاياتِ كلَّها تَتعينُ بتَعيينِ الإِمامِ إلا القَضاءَ فإنَّه لا يَتعينُ بتعيينِ الإِمامِ، بل تَجوزُ مُخالفتُه وذلك لشِدةِ خَطرِه في الدِّينِ (١).
وقالَ الشافِعيةُ: إذا كانَ هناك رَجلٌ مِنْ أَهلِ الاجتِهادِ والأَمانةِ، وليسَ هناك مَنْ يَصلحُ للقَضاءِ غيرُه، فيَجبُ على الإِمامِ أنْ يُوليَه القَضاءَ، وإذا ولاه الإِمامُ .. لزِمَه القَبولُ، فإنِ امتنَعَ .. أجبَرَه. فإنْ لمْ يَعرفْه الإِمامُ .. لزِمَه أنْ يُعرِّفَ الإِمامَ حالَه، وأنْ يَعرضَ نَفسَه عليه للقَضاءِ؛ لأنَّ ذلك يَجري مَجرى الأَمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكرِ، ولو لمْ يَكنْ مَنْ يَصلحُ للأَمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عن المُنكرِ إلا واحدٌ؛ لتَعينَ ذلك عليه.
ويَلزمُه طَلبُ القَضاءِ إذا لمْ يَصلحْ غيرُه ولا يُعذرُ لخَوفِ مَيلٍ منه، بل يَلزمُه أنْ يَطلبَ ويَقبلَ ويَحترزَ مِنْ المَيلِ كسائرِ فُروضِ الأَعيانِ.
وإنْ توقَّفَ طَلبُه على بَذلِ مالٍ لزِمَه أنْ يَبذلَ المالَ ليُصبحَ قاضيًا، كما يَلزمُه شِراءُ الرَّقبةِ للكَفارةِ والطَّعامِ في المَجاعةِ، وهذا هو المَشهورُ.
وقالَ الماوَرديُّ:«لا يَلزمُه طَلبُه لأنَّ فَرضَ التَّقليدِ على الإِمامِ».
(١) «تبصرة الحكام» (١/ ١٤)، و «التاج والإكليل» (٥/ ٥٥)، و «مواهب الجليل» (٨/ ٧١)، و «شرح مختصر خليل» (٧/ ١٤٠)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٥، ٦)، و «تحبير المختصر» (٥/ ٥٥).