للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد نقَلَ الإِجماعَ على ذلك الإمامُ ابنُ المُنذِرِ؛ حيثَ قالَ: وأجمَعوا على أنَّ الرَّجلَ إذا قالَ: «هذا الطِّفلُ ابني»، وليسَ للطِّفلِ نَسَبٌ مَعروفٌ يُنسَبُ إليه، فنَسَبُه يَثبُتُ بإِقرارِه.

وأجمَعوا على أنَّه لو أنَّ رَجلًا بالِغًا مِنْ الرِّجالِ قالَ: هذا أبي، وأقَرَّ له البالِغُ ولا نَسبَ للمُقِرِّ مَعروفٌ أنَّه ابنُه إذا جازَ لمِثلِه مِثلُه (١).

قالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : فَصلٌ في شُروطِ الإِقرارِ بالنَّسَبِ: لا يَخلو إمَّا أنْ يُقِرَّ على نَفسِه خاصةً أو عليه وعلى غَيرِه، فإنْ أقَرَّ على نَفسِه مِثلَ أنْ يُقِرَّ بوَلَدٍ، اعتُبِرَ في ثُبوتِ نَسبِه أربَعةُ شُروطٍ:

أحَدُها: أنْ يَكونَ المُقَرُّ به مَجهولَ النَّسَبِ، فإنْ كانَ مَعروفَ النَّسَبِ لم يَصِحَّ؛ لأنَّه يَقطَعُ نَسبَه الثابِتَ مِنْ غَيرِه، وقد لَعَنَ النَّبيُّ مَنْ انتَسبَ إلى غيرِ أبيه أو تَولَّى غيرَ مَواليه.

الثاني: ألَّا يُنازِعَه فيه مُنازِعٌ؛ لأنَّه إذا نازَعَه فيه غَيرُه تَعارَضا فلم يَكنْ إِلحاقُه بأحَدِهما أوْلَى مِنْ الآخَرِ.

الثالِثُ: أنْ يُمكِنَ صِدقُه بأنْ يَكونَ المُقَرُّ به يُحتمَلُ أنْ يُولَدَ لمِثلِه.

الرابِعُ: أنْ يَكونَ مِمَّنْ لا قَولَ له كالصَّغيرِ والمَجنونِ، أو يُصدِّقَ المُقِرَّ إنْ كانَ ذا قَولٍ، وهو المُكلَّفُ، فإنْ كانَ غيرَ مُكلَّفٍ لم يُعتبَرْ تَصديقُه، فإنْ كبِرَ وعقَلَ فأنكَرَ لم يُسمَعْ إِنكارُه؛ لأنَّ نَسبَه ثابِتٌ وجَرى ذلك مَجرى مَنْ ادَّعَى مِلكَ عَبدٍ صَغيرٍ في يَدِه وثَبَتَ بذلك مِلكُه، فلمَّا كَبِرَ جَحَدَ


(١) «الإجماع» (٣٢٤، ٣٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>