للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ المَنقولَ عن أئِمةِ اللُّغةِ أنَّ الاستِثناءَ تَكلُّمٌ بالباقي بعدَ الثُّنيا، وهذا المَعنى كما يُوجَدُ في استِثناءِ القَليلِ مِنْ الكَثيرِ يُوجَدُ في استِثناءِ الكَثيرِ مِنْ القَليلِ، إلا أنَّ هذا النَّوعَ مِنْ الاستِثناءِ غيرُ مُستَحسَنٍ عندَ أهلِ اللُّغةِ؛ لأنَّهم إنَّما وَضَعوا الاستِثناءَ لحاجَتِهم إلى استِدراكِ الغَلَطِ ومِثلُ هذا الغَلطِ مما يَندُرُ وُقوعُه غايةَ النُّدرةِ فلا حاجةَ إلى استِدراكِه.

لكنْ يَحتمِلُ الوُقوعَ في الجُملةِ فيَصِحُّ (١).

وذهَبَ الحَنابِلةُ وأبو يُوسفَ مِنْ الحَنفيةِ وعَبدُ المَلِكِ بنُ الماجِشونِ مِنْ أَصحابِ مالِكٍ إلى أنَّه لا يَصحُّ استِثناءُ الأكثَرِ مِنْ الأقَلِّ، ويُؤخَذُ بالكُلِّ، فمَن قالَ: «له علَيَّ عَشرةٌ إلا تِسعةً أو إلا ثَمانيةً أو إلا سِتةً» أُخِذَ بالكُلِّ ويَلزَمُه عَشرةٌ؛ لأنَّه لم يَرِدْ في لِسانِ العَربِ الاستِثناءُ إلا في الأقَلِّ، وقد أنكَروا استِثناءَ الأكثَرِ، فقالَ أَبو إِسحاقَ الزُّجاجُ: لم يَأتِ الاستِثناءُ إلا في القَليلِ مِنْ الكَثيرِ، ولو قالَ قائِلٌ: «مِئةٌ إلا تِسعةً وتِسعينَ» لم يَكنْ مُتكلِّمًا بالعَرَبيةِ، وكانَ عِيًّا مِنْ الكَلامِ، ولُكْنةً، وقالَ القُتَيبيُّ: يُقالُ: «صُمتُ الشَّهرَ إلا يَومًا»، ولا يُقالُ: «صُمتُ الشَّهرَ إلا تِسعةً وعِشرينَ يَومًا»، ويُقالُ: «لَقيتُ القَومَ جَميعَهم إلا واحِدًا أو اثنَينِ»، ولا يَجوزُ أنْ يَقولَ: «لَقيتُ القَومَ إلا أكثَرَهم»، وإذا لم يَكنْ صَحيحًا في الكَلامِ لم يَرتفِعْ به ما أقَرَّ به كاستِثناءِ الكُلِّ، وكما لو قالَ: «له علَيَّ عَشرةٌ بل خَمسةٌ» (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢١٠)، و «شرح صحيح البخاري» (٨/ ١٣٦، ١٣٧)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٩٢، ٩٣)، و «الحاوي الكبير» (٧/ ٢٠، ٢١)، و «البيان» (١٣/ ٤٥٥)، و «الإفصاح» (١/ ٤٦٠، ٤٦١).
(٢) «بدائع الصنائع» (٧/ ٢١٠)، و «شرح صحيح البخاري» (٨/ ١٣٦، ١٣٧)، و «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٩٢، ٩٣)، و «الإفصاح» (١/ ٤٦٠، ٤٦١)، و «المغني» (٥/ ١٠٢، ١٠٣)، و «منار السبيل» (٣/ ٥٣٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>