مَبلَغَه، هل يُصدَّقُ في القَليلِ والكَثيرِ أو لا يُصدَّقُ إلا إذا ذَكَرَ شَيئًا له قيمةٌ؟
فذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ في قَولٍ -واستَحسَنَه أكثَرُ المالِكيةِ- والشافِعيةُ والحَنابِلةُ إلى أنَّه إنْ أقَرَّ بمالٍ يَرجِعُ إلى تَفسيرِه، فإنْ فسَرَّه بالقَليلِ والكَثيرِ قُبِلَ قَولُه في تَفسيرِه؛ لأنَّ لَفظَه مُجمَلٌ، فإذا لم يَكنْ له تَقديرٌ في عُرفِ اللُّغةِ والشَّرعِ رُجِعَ في تَفسيرِه إليه كما لو قالَ:«عِندي شَيءٌ، أو حَقٌّ»، ولأنَّ القَليلَ يَدخُلُ تَحتَ الماليةِ، كما يَدخُلُ الكَثيرُ؛ لأنَّ كُلَّ ذلك مالٌ (١).
وذهَبَ المالِكيةُ في المَذهبِ إلى أنَّه يَلزَمُه أقَلُّ نِصابٍ مِنْ نِصاباتِ الزَّكاةِ مِنْ أنواعِ أموالِهم؛ لأنَّ المالَ له تَقديرٌ في اللُّغةِ والشَّريعةِ، أمَّا في اللُّغةِ فإنَّهم لا يَعقِلونَ مِنْ قَولِهم:«فُلانٌ مِنْ أربابِ المالِ»، أنَّه يَملِكُ دانَقًا أو دِرهَمًا، وإنَّما يَعقِلونَ زيادةً على ذلك ببَيِّنةٍ، وأمَّا الشَّرعُ فقَد ثبَتَ أنَّ النِّصابَ مالٌ؛ لقَولِه ﷺ:«لا زَكاةَ في مالٍ حتى يَحُولَ عليه الحَولُ»، فلم يَثبُتْ لما دونَه هذا الاسمُ يُوجِبُ صَرفَ الكَلامِ إليه.