للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وحينَئذٍ قد يَكونُ تَركُها أفضَلَ، إذا كانَ الجُهَّالُ يظُنُّونَ أنَّ هذه سُنةٌ رَاتِبةٌ، أو أنَّها واجِبةٌ؛ فتُتركُ حتى يَعرِفَ النَّاسُ أنَّها ليسَت سُنةً رَاتِبةً، وليسَت واجِبةً، لاسيَّما إذا داوَمَ النَّاسُ عليها؛ فيَنبَغي تَركُها أَحيانًا؛ حتى لا تُشبِهَ الفَرضَ، كما استَحبَّ أكثرُ العُلماءِ ألَّا يُداوَمَ على قِراءةِ السَّجدةِ يومَ الجمُعةِ، مع أنَّه قد ثبَتَ في الصَّحيحِ أنَّ النَّبيَّ فعَلَها، فإذا كانَ يُكرَهُ المُداوَمةُ على ذلك، فتَركُ المُداوَمةِ على ما لم يَسُنَّه النَّبيُّ أَولى، وإن صلَّاها الرَّجلُ بينَ الأذانَينِ أَحيانًا؛ لأنَّها تَطوُّعٌ مُطلَقٌ، أو صَلاةٌ بينَ الأذانَينِ، كما يُصلَّى قبلَ العَصرِ والعِشاءِ، لا لأنَّها سُنةٌ رَاتِبةٌ، فهذا جائِزٌ، وإن كانَ الرَّجلُ مع قَومٍ يُصَلُّونها، فإن كانَ مُطاعًا إذا ترَكَها، وبيَّنَ لهمُ السُّنةَ لم يُنكِروا عليه، بل عَرَفوا السُّنةَ، فتَركُها حَسنٌ، وإن لم يَكنْ مُطاعًا، ورَأى أنَّ في صَلاتِها تَأليفًا لقُلوبِهم إلى ما هو أنفَعُ، أو دَفعًا للخِصامِ والشَّرِّ، لِعدمِ التَّمكُّنِ مِنْ بَيانِ الحقِّ لَهم، وقَبولِهم له، ونحوِ ذلك، فهذا أيضًا حَسنٌ.

فالعملُ الواحدُ يَكونُ فِعلُه مُستحَبًّا تارَةً، وتَركُه مُستحَبًّا تارَةً، باعتِبارِ ما يَترجَّحُ مِنْ مَصلَحةِ فِعلِه وتَركِه بحسَبِ الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ، والمُسلِمُ قد يَتركُ المُستحَبَّ إذا كانَ في فِعلِه فَسادٌ راجِحٌ على مَصلحَتِه، كما ترَكَ النَّبيُّ بِناءَ البَيتِ على قَواعدِ إِبراهيمَ، وقالَ لعائشةَ: «لَولَا أنَّ قَومَكِ حَديثُو عَهدٍ بالجاهليَّةِ لَنَقَضتُ الكَعبَةَ، ولأَلصَقتُها بالأَرضِ، ولجَعَلتُ لها بابَينِ، بابًا يَدخلُ النَّاسُ منه، وبابًا يَخرُجونَ منه»، والحَديثُ في الصَّحيحَينِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>