وقالَ الإمامُ القاضِي عبدُ الوَهَّابِ المالِكيُّ ﵀: إذا تَنازَعا جِدارًا لأحَدِهما عليه خَشبٌ والآخَرُ لا شَيءَ له عليه يَجري مَجراه، حُكِمَ به لصاحِبِ الخَشَبِ قَليلًا كانَ أو كَثيرًا.
وقالَ أَبو حَنيفةَ: إذا كانَ الخَشبُ عِدةَ جُذوعٍ حُكمَ له به، وإنْ كانَ الجِذعَ والاثنَينِ فلا.
وقالَ الشافِعيُّ: لا يُحكَمُ به لصاحِبِ الخَشبِ.
فدَليلُنا على الشافِعيِّ قَولُ اللهِ تَعالى: ﴿وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ﴾ [الأعراف: ١٩٩]، والعُرفُ جارٍ على أنَّ الإِنسانَ إذا كانَ له على حائِطٍ خَشبٌ وجُذوعٌ؛ فإنَّه وضَعَه على سَطحِه؛ لأنَّ غالِبَ تَصرُّفِ الناسِ أنْ يَكونَ في أملاكِهم؛ ولأنَّ وَضعَ الجُذوعِ على الحائِطِ يَدٌ، وتَصرُّفٌ، فوجَبَ أنْ يُقدَّمَ به دَعوى مُدَّعي الحائِطِ كما لو تَنازَعا دارًا في يَدِ أحَدِهما؛ ولأنَّهما لو تَنازَعا عَرصةً لأحَدِهما فيها حائِطٌ لَحُكمَ بها لصاحِبِ الحائِطِ ولا فَرقَ بينَ ذلك وبينَ الجُذوعِ (١).
وقالَ الإمامُ العِمرانِيُّ ﵀: قالَ الشافِعيُّ ﵀: (إذا تَداعى رَجلانِ جِدارًا بينَ دارَيهما؛ فإنْ كانَ مُتَّصِلًا ببِناءِ أحَدِهما اتِّصالَ البُنيانِ الذي لا يَحدُثُ إلا مِنْ أوَّلِ البِناءِ جعَلتُه له دونَ المُنقطِعِ منه).
وجُملةُ ذلك أنَّ الرَّجلَينِ إذا تَنازَعا في جِدارٍ بينَ مِلكَيْهما، وادَّعَى كلُّ واحِدٍ منهما أنَّه مِلكُه؛ فإنْ كانَ لأحَدِهما بيِّنةٌ دونَ الآخَرِ قُضيَ لصاحِبِ البَيِّنةِ. وإنْ لم يَكنْ لأحَدِهما بيِّنةٌ نُظرَت: فإنْ كانَ لأحَدِهما عليه بِناءٌ لا
(١) «الإشراف على نكت مسائل الخلاف» (٣/ ٤٩، ٥٠)، رقم (٩١٠).