«قد كانَ»، والمُدَّعَى عليه أنْ يَقولَ الرَّجلُ:«لم يَكنْ»، ليسَ على عُمومِه في كلِّ مَوضِعٍ، وإنَّما يَصحُّ إذا تَجرَّدَت دَعوى المُدَّعي في قَولِه:«قد كانَ»، من سَببٍ يَدلُّ على تَصديقِ دَعواه؛ فإنْ كانَ له سَببٌ يَدلُّ على تَصديقِ دَعواه أَقوى من سَبَبِ المُدَّعَى عليه القائِلِ:«لم يَكنْ»، بَرئَ عليه باليَمينِ.
مِثالُ ذلك: مَنْ حازَ شَيئًا مُدةً تَكونُ فيه الحيازةُ عامِلةً في وَجهِ المُدَّعَى فادَّعَى الشِّراءَ، كانَ القَولُ قَولَه معَ يَمينِه في ذلك، وهو مُدَّعٍ يَقولُ:«قد كانَ»، والمُدَّعَى عليه يَقولُ: لم يَكنْ، وكذلك المُودَعُ يَدَّعي رَدَّ الوَديعةِ، القَولُ قَولُه وهو مُدَّعٍ، يَقولُ:«قد كانَ»، والمودِعُ: يَقولُ: «لم يَكنْ»، ومِثلُ هذا كَثيرٌ.
فَصلٌ:
يَتبيَّنُ بهذا الذي قُلناه أنَّ قَولَ النَّبيِّ ﷺ:«البَيِّنةُ على مَنْ ادَّعى واليَمينُ على مَنْ أنكَرَ» عامٌّ في جَميعِ الدَّعاوَى من الأَموالِ والدِّماءِ وغَيرِ ذلك، وخاصٌّ فيما تَجرَّدَت دَعواه من المُتداعِيَينِ عن سَببٍ يَدلُّ على صِدقِ قَولِه، واللهُ ﷾ أعلَمُ.
فَصلٌ:
وهذه جُملةٌ لا اختِلافَ بَينَ أحَدٍ من أهلِ العِلمِ فيها، وما يُوجدُ من الاختِلافِ بَينَهم في التَّداعي ليسَ بخارِجٍ عن هذا الأصلِ، إنَّما هو اختِلافُهم في قُوةِ السَّببِ الدالِّ على تَصديقِ أحَدِ المُتداعِيَينِ وضَعفِه على ما يُؤدِّيه الاجتِهادُ إلى كلِّ واحِدٍ منهم (١).