للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعن أَبي أُمامةَ «أنَّ النَّبيَّ نَهى عن شِراءِ المُغنِّياتِ وبَيعِهِنَّ والتِّجارةِ فيهِنَّ، وأكلُ أَثمانِهِنَّ حَرامٌ»، أخرَجَه التِّرمِذيُّ وقالَ: لا نَعرِفُه إلا من حَديثِ علِيِّ بنِ يَزيدَ، وقالَ: تكلَّمَ فيه أهلُ العِلمِ ورَوى ابنُ مَسعودٍ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «الغِناءُ يُنبِتُ النِّفاقَ في القَلبِ» والصَّحيحُ أنَّه مِنْ قَولِ ابنِ مَسعودٍ.

وعلى كلِّ حالٍ مَنْ اتَّخَذَ الغِناءَ صِناعةً يُؤتَى له ويأتي له، أو اتَّخَذ غُلامًا أو جاريةً مُغنِّيَينِ يَجمَعُ عليهما الناسُ فلا شَهادةَ له؛ لأنَّ هذا عندَ مَنْ لم يُحرِّمْ سَفهٌ ودَناءةٌ وسُقوطُ مُروءةٍ، ومَن حرَّمَه فهو معَ سَفَهِه عاصٍ مُصِرٌّ مُتظاهِرٌ بفُسوقِه، وبهذا قالَ الشافِعيُّ وأَصحابُ الرأيِ، وإنْ كانَ لا يَنسُبُ نَفسَه إلى الغِناءِ وإنَّما يَترنَّمُ لنَفسِه ولا يُغنِّي للناسِ، أو كانَ غُلامُه وجاريَتُه إنَّما يُغنِّيانِ له، انبَنَى هذا على الخِلافِ فيه، فمَن أباحَه أو كَرِهَه لم يَرُدَّ شَهادتَه، ومَن حرَّمَه قالَ: إنْ داوَمَ عليه رُدَّت شَهادَتُه كسائِرِ الصَّغائِرِ، وإنْ لم يُداوِمْ عليه لم تُرَدَّ شَهادتُه، وإنْ فعَلَه مَنْ يَعتقِدُ حِلَّه فقياسُ المَذهبِ أنَّه لا تُرَدُّ شَهادَتُه بما لا يُشتهَرُ به منه كسائِرِ المُختلَفِ فيه من الفُروعِ، ومَن كانَ يَغشَى بُيوتَ الغِناءِ أو يَغشاه المُغنُّونَ للسَّماعِ مُتظاهِرًا بذلك وكَثُرَ منه رُدَّت شَهادَتُه في قَولِهم جَميعًا؛ لأنَّه سَفَهٌ ودَناءةٌ، وإنْ كانَ مُعتبَرًا به فهو كالمُغنِّي لنَفسِه على ما ذُكِرَ من التَّفصيلِ فيه (١).


(١) «المغني» (١٠/ ١٧٤، ١٧٥)، و «المبدع» (١٠/ ٢٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>