ورُويَ: أنَّ ابنَ عُمرَ كانَ يَسيرُ راكِبًا في طَريقٍ ومعه نافِعٌ، فسمِعَ مِزمارَ راعٍ، فأدخَلَ أُصبُعَيه في أُذُنَيه، وعَدَلَ عن الطَّريقِ وقالَ: هكذا رَأيتُ رَسولَ اللهِ ﷺ صنَعَ، ثم جعَلَ يَقولُ لنافِعٍ: أتَسمَعُ يا نافِعُ؟ حتى قالَ: لا أسمَعُ، فرجَعَ ابنُ عُمرَ إلى الطَّريقِ.
والمُستحَبُّ لمَن سمِعَ ذلك أنْ يَفعَلَ كما فعَلَ ابنُ عُمرَ؛ فإنْ سمِعَ ذلك من غيرِ أنْ يَقصِدَ إلى سَماعِه لم يأثَمْ بذلك؛ لأنَّ ابنَ عُمرَ لم يُنكِرْ على نافِعٍ سَماعَه لذلك.
وأمَّا رَدُّ الشَّهادةِ بذلك فإنْ أكثَرَ من ذلك رُدَّت شَهادتُه، وإنْ كانَ نادِرًا من أَفعالِه، لم تُرَدَّ شَهادتُه؛ لأنَّه من الصَّغائرِ، ففَرقٌ فيه بينَ القَليلِ والكَثيرِ (١).
وأمَّا الحَنابِلةُ فقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ ﵀: المَلاهي هي على ثَلاثةِ أضرُبٍ: مُحرَّمٌ، وهو ضَربُ الأَوتارِ والناياتِ والمَزاميرِ كلِّها والعُودِ والطُّنبورِ والمَعزَفةِ والرَّبابِ ونَحوِها، فمَن أدامَ استِماعَها رُدَّت شَهادَتُه؛ لأنَّه يُروَى عن علِيٍّ ﵁ عن النَّبيِّ ﷺ أنَّه قالَ:«إذا ظهَرَت في أُمَّتي خَمسَ عَشرةَ خَصلةً حَلَّ بهم البَلاءُ، فذكَرَ فيها إِظهارَ المَعازِفِ والمَلاهي».
وقالَ سَعيدٌ: ثنا فَرَجُ بنُ فَضالةَ عن علِيِّ بنِ يَزيدَ عن القاسِمِ عن أَبي أُمامةَ قالَ: قالَ رَسولُ اللهِ ﷺ: «إنَّ اللهَ بَعَثَني رَحمةً للعالَمينَ