للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنَّ هذه شَهادةٌ على عَورةٍ، تُقبلُ فيها شَهادةُ النِّساءِ مُنفَرِداتٍ كالوِلادةِ، ولأنَّه مَعنًى يُقبلُ فيه قَولُ النِّساءِ المُنفَرِداتِ يُقبلُ فيه شَهادةُ المَرأةِ والمُتبَرعةِ وغَيرِها على السَّواءِ، وغَيرُ المَرضِيةِ لا تُقبلُ.

وعن الإمامِ أَحمدَ رِوايةٌ أُخرى: لا يُقبلُ إلا شَهادةُ امرأتَينِ؛ لأنَّ الرِّجالَ أَولَى من النِّساءِ، ولا يُقبلُ إلا شَهادةُ رَجلَينِ، فالنِّساءُ أوْلَى.

وعن أَحمدَ رِوايةٌ ثالِثةٌ أنَّ شَهادةَ المَرأةِ الواحِدةِ مَقبولةٌ وتُستَحلَفُ معَ شَهادَتِها، وهو قَولُ ابنِ عَباسٍ وإِسحاقَ؛ لأنَّ ابنَ عَباسٍ قالَ في امرَأةٍ زَعَمت أنَّها أرضَعَت رَجلًا وأهلَه: «إنْ كانَت مَرضيةً استُحلِفَت وفارَقَ امرَأتَه، وإنْ كانَت كاذِبةً لم يَحُلِ الحَولُ حتى يَبيَضَّ ثَدياها».

يَعني: يُصيبُها فيها بَرصٌ، عُقوبةً على كَذِبِها، وهذا لا يَقتَضيه قِياسٌ، ولا يَهتَدي إليه رأيٌ، فالظاهِرُ أنَّه لا يَقولُه إلا تَوقيفًا.

ويُقبلُ فيه شَهادةُ المُرضِعةِ على فِعلِ نَفسِها لِما ذكَرْنا من حَديثِ عُقبةَ من أنَّ الأَمةَ السَّوداءَ قالَت: قد أرضَعتُكما، فقبِلَ النَّبيُّ شَهادَتَها، ولأنَّه فِعلٌ لا يَحصُلُ لها به نَفعٌ مَقصودٌ ولا تَدفَعُ عنها به ضَررًا قُبلَت شَهادَتُها به كفِعلِ غَيرِها.

ولا تُقبلُ الشَّهادةُ على الرَّضاعِ إلا مُفسَّرةً، فلو قالَت: أشهَدُ أنَّ هذا ابنُ هذه من الرَّضاعِ، لا تُقبلُ؛ لأنَّ الرَّضاعَ المُحرِّمَ يَختلِفُ الناسُ فيه، منهم مَنْ يُحرِّمُ بالقَليلِ، ومنهم مَنْ يُحرِّمُ بعدَ الحَولَينِ، فلزِمَ الشاهِدَ تَبيينُ كَيفيَّتِه ليَحكُمَ الحاكِمُ فيه باجتِهادِه.

<<  <  ج: ص:  >  >>