(قُلتُ): أرَأيتَ إنْ كانَت المَرأتانِ اللَّتانِ شهِدَتا على الرَّضاعِ أُمَّ الزَّوجِ وأُمَّ المَرأةِ؟ (قالَ): لا يُقبلُ قَولُهما إلا أنْ يَكونَ ذلك قد عُرفَ من قَولِهما وفَشا قبلَ النِّكاحِ، (قُلتُ): فهؤلاءِ والأجنَبياتُ سَواءٌ في قَولِ مالِكٍ؟ (قالَ): نَعمْ في رَأيي، (قُلتُ): أرأيتَ إنْ شهِدَت امرَأةٌ وَاحِدةٌ أنَّها أرضَعَتهما جَميعًا الزَّوجَ والمَرأةَ، وقد عُرفَ ذلك من قَولِها قبلَ النِّكاحِ، (قالَ): لا يُفرِّقُ القاضِي بينَهما في رَأيي وإنَّما يُفرِّقُ في المَرأتَينِ؛ لأنَّهما حينَ كانَتا امرأتَينِ تمَّت الشَّهادةُ، فأمَّا المَرأةُ الواحِدةُ فلا يُفرَّقُ بشهادَتِها، ولكِنْ يُقالُ للزَّوجِ: تَنزَّهْ عنها فيما بينَك وبينَ خالِقِك، (قُلتُ): أرأيتَ لو أنَّ رَجلًا خطَبَ امرَأةً فقالَت امرَأةٌ: قد أرضَعتُكما، أيُنهَى عنها في قَولِ مالِكٍ، وإنْ تَزوَّجَها فُرِّقَ بينَهما؟ (قالَ): قالَ مالِكٌ: يُنهى عنها على وَجهِ الاتِّقاءِ لا على وَجهِ التَّحريمِ؛ فإنْ تَزوَّجَها لم يُفرِّقِ القاضِي بينَهما (١).
وذهَبَ الشافِعيةُ إلى أنَّ الرَّضاعَ يَثبُتُ بشَهادةِ رَجلَينِ أو رَجلٍ وامرأتَينِ؛ لأنَّ كلَّ ما يُقبلُ فيه النِّساءُ الخُلَّصُ يُقبلُ فيه الرِّجالُ، وبأربَعِ نِسوةٍ لاختِصاصِ النِّساءِ بالاطِّلاعِ عليه غالِبًا كالوِلادةِ، ولا يَثبُتُ بأقَلَّ من أربَعةِ نِسوةٍ؛ إذ كلُّ امرأتَينِ بمَثابةِ رَجلٍ.
ومَحلُّ قَبولِ شَهادةِ النِّساءِ إذا كانَ النِّزاعُ في الارتِضاعِ من الثَّديِ، أمَّا إذا كانَ في الشُّربِ أو الإيجارِ من ظَرفٍ فلا تُقبلُ فيه شَهادةُ النِّساءِ المُتمَحِّضاتِ؛ لأنَّهُنَّ لا اختِصاصَ لهُنَّ بالاطِّلاعِ عليه، ولكنْ يُقبَلْنَ في أنَّ لَبنَ الإناءِ لَبنُ فُلانةَ؛ لأنَّ الرِّجالَ لا يَطَّلعونَ على الحَلبِ غالِبًا.