للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ ابنُ قُدامةَ : وهذا وَعيدٌ لا يَلحقُ بالمُباحِ، ولأنَّ الجمُعةَ قد وجَبَت عليه، فلم يَجزْ له الاشتِغالُ بما يَمنعُ منها، كاللَّهوِ والتِّجارةِ (١).

وذهَبَ الحَنفيةُ إلى أنَّه لا بَأسَ بالسَّفرِ قبلَ الزَّوالِ وبعدَه، إذا كانَ يَخرجُ مِنْ مِصرِه قبلَ خُروجِ وقتِ الظُّهرِ؛ لأنَّ الجمُعةَ إنَّما تَجبُ في آخرِ الوقتِ، وهو مُسافِرٌ فيه، إلا أنَّه يُكرَهُ له ذلك؛ لأثَرِ عمرَ: «الجمُعةُ لَا تَحبِسُ مُسافِرًا».

أمَّا السَّفرُ يومَ الجمُعةِ بعدَ الفَجرِ وقبلَ الزَّوالِ فذهَبَ المالِكيةُ إلى أنَّه مَكروهٌ، قالَ الإمامُ مالِكٌ: أُحبُّ له ألَّا يَخرُجَ بعدَ طُلوعِ الفَجرِ، وليسَ عليه بحَرامٍ، وبعدَ الزَّوالِ لا يَنبَغي أن يُسافِرَ حتى يُصلِّيَ الجمُعةَ.

وذهَبَ الشافِعيةُ في الأصَحِّ والحَنابلَةُ في رِوايةٍ إلى أنَّه لا يَجوزُ، ويَحرمُ؛ لحَديثِ ابنِ عمرَ المُتقدِّمِ، ولأنَّه وقتٌ لوُجوبِ التَّسبُّبِ؛ بدليلِ أنَّ مَنْ كانَت دارُه على بُعدٍ لزِمَه القَصدُ قبلَ الزَّوالِ، ووُجوبُ التَّسبُّبِ كوُجوبِ الفِعلِ، فإذا لم يَجزِ السَّفرُ بعدَ وُجوبِ الفِعلِ، لم يَجزْ بعدَ وُجوبِ التَّسبُّبِ.

وذهَبَ الشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابلَةُ في رِوايةٍ إلى جَوازِه، قالَ ابنُ قُدامةَ : وهو قولُ أكثرِ أهلِ العِلمِ؛ لقولِ عمرَ: «الجمُعةُ لَا تَحبِسُ عَنْ سَفرٍ» (٢)، ولأنَّ الجمُعةَ لم تَجبْ، فلم يَحرمِ السَّفرُ، كاللَّيلِ، ولأنَّ


(١) «المغني» (٣/ ٩٠).
(٢) رواه عبد الرزاق (٣/ ٢٥٠)، والشَّافعيُّ في «مسنده» (١/ ٤٦)، وابن المنذر في «الأوسط» (٤/ ٢١)، والبيهقيُّ (٣/ ١٨٤، ١٨٧)، وقال الألبانِيُّ: صحيحٌ، رِجالُه كلُّهم ثِقاتٌ، «الضعيفة» (١/ ٢٩٦)، و «تمام المنة» (١/ ٣٢٠)، ولفظه: عَنْ الأَسودِ بنِ قَيسٍ، عَنْ أَبِيه قَيسٍ قالَ: سمِعتُه يَقولُ: رَأى عمرُ بنُ الخَطابِ قَدْ عقَل راحِلَتَه، قالَ: «ما يَحبِسُك؟ قالَ: الجمُعةُ. قالَ: إنَّ الجمُعةَ لَا تَحبِسُ مُسافِرًا، فاذهَب».

<<  <  ج: ص:  >  >>