للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكَبائرَ، وإنْ ألَمَّ بمَعصيةٍ؛ لأنَّ كلَّ واحِدٍ من دونِ الأَنبياءِ لا يَخلو من ارتِكابِ خَطيئةٍ، فلو وقَعَت الشَّهادةُ على مَنْ لا ذَنبَ له أَصلًا لتَعذَّرَ وُجودُ ذلك في الدُّنيا، فسُومِحَ في ذلك، واعتُبِر الأغلَبُ.

وهذا هو حَدُّ العَدالةِ المُعتبَرةِ؛ إذْ لا بدَّ من تَوقِّي الكَبائرِ كلِّها، وبعدَ تَوقِّيها يُعتبَرُ الغالِبُ، فمَن كَثُرت مَعاصِيه أثَّر ذلك في شَهادتِه، ومَن نَدَرت منه المَعصيةُ قُبلَت شَهادتُه؛ لأنَّ في اعتِبارِ اجتِنابِ الكلِّ سَدًّا لبابِ الشَّهادةِ، وهو مَفتوحٌ إِحياءً للحُقوقِ.

وحاصِلُه: أنَّ كلَّ مَنْ ارتكَبَ كَبيرةً أو أصَرَّ على صَغيرةٍ؛ فإنَّه تَسقطُ عَدالتُه (١).

وقالَ المالِكيةُ: العَدالةُ المُحافَظةُ الدِّينيةُ على اجتِنابِ الكَذبِ والكَبائرِ، وعلى تَوقِّي الصَّغائرِ وأَداءِ الأَمانةِ وحُسنِ المُعامَلةِ، وليسَ معها بِدعةٌ.

وليسَت العَدالةُ أنْ يُمحِّصَ الرَّجلُ الطاعةَ حتى لا يَشوبَها مَعصيةٌ إذْ ذلك مُتعذَّرٌ لا يَقدِرُ عليه إلا الأَولياءُ والصِّدِّيقونَ، لكنْ مَنْ كانَت الطاعةُ أكثَرَ حالِه وأغلَبَها وهو مُجتنِبٌ للكَبائرِ مُحافِظٌ على تَركِ الصَّغائرِ فهو العَدلُ (٢).


(١) «الجوهرة النيرة» (٦/ ١٤٥، ١٦٩).
(٢) «جامع الأمهات» (٤٦٩)، و «مواهب الجليل» (٨/ ١٣٤)، و «التاج والإكليل» (٥/ ١٠٧)، و «الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي» (٦/ ٦١، ٦٢)، و «تحبير المختصر» (٥/ ١١٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>