للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صُورِيا فنَشَدَهما كيف تَجِدانِ أمرَ هذَينِ في التَّوراةِ؟ قالا: نَجدُ في التَّوراةِ: إذا شهِدَ أربَعةٌ أنَّهم رأَوْا ذكَرَه في فَرجِها مِثلَ المِيلِ في المُكحَلةِ رُجِما، قالَ: فما يَمنَعُكم أنْ تَرجُموهما؟ قالا: ذهَبَ سُلطانُنا وكرِهنا القَتلَ، فدَعا رَسولُ اللهِ بالشُّهودِ، فجاؤُوا أربَعةٌ فشهِدوا أنَّهم رأَوْا ذكَرَه في فَرجِها مِثلَ المِيلِ في المُكحَلةِ فأمَرَ النَّبيُّ برَجمِهما» (١).

فدَلَّ على قَبولِ شَهادةِ أهلِ الذِّمةِ، بعضِهم على بعضٍ؛ لأنَّ الزانيَينِ لم يُقِرَّا ولم يَشهَدْ عليهما المُسلِمونَ؛ فإنَّهم لم يَحضُروا زِناهما والنَّبيُّ في هذه القِصةِ دَعا بالشُّهودِ فجاؤُوا أربَعةٌ فشهِدوا أنَّهم رأَوْا ذكَرَه في فَرجِها مِثلَ المِيلِ في المُكحَلةِ.

وفي بعضِ طُرقِ هذا الحَديثِ: فجاءَ أربَعةٌ منهم، وفي بعضِها: فقالَ لليَهودِ: «ائتُوني بأربَعةٍ منكم».

ولأنَّهم إذا قبِلوا عَقدَ الذِّمةِ؛ فإنَّ لهم ما للمُسلِمينَ وعليهم ما على المُسلِمينَ، وللمُسلمِ على المُسلمِ شَهادةٌ، فكذا للذِّميِّ على الذِّميِّ، فظاهِرُه يَقتَضي أنْ يَكونَ للذِّميِّ على المُسلمِ شَهادةٌ كالمُسلمِ إلا أنَّ ذلك صارَ مَخصوصًا من عُمومِ النَّصِّ.

ولأنَّ الحاجةَ مسَّت إلى صِيانةِ حُقوقِ أهلِ الذِّمةِ ولا تَحصلُ الصِّيانةُ إلا أنْ يَكونَ لبَعضِهم على بعضٍ شَهادةٌ، ولا شَكَّ أنَّ الحاجةَ إلى صِيانةِ حُقوقِهم ماسَّةٌ؛ لأنَّهم إنَّما قبِلوا عَقدَ الذِّمةِ لتَكونَ دِماؤُهم كدِمائِنا وأَموالُهم كأَموالِنا.


(١) صَحِيحٌ: رواه أَبو داود (٤٤٥٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>