للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنفيةُ والمالِكيةُ إلى أنَّ مَنْ دخَلَ المَسجدَ والإمامُ يَخطُبُ يَجلِسُ؛ ويُكرَهُ له أن يُصلِّيَ تَحيَّةَ المَسجدِ؛ لأنَّ النَّبيَّ قالَ للَّذي جاءَ يَتخَطَّى رِقابَ النَّاسِ: «اجلِس؛ فقد آذَيتَ وَآنَيتَ» (١)، فأمَرَه بالجُلوسِ، ولم يَأمرْه بالتَّحِيَّةِ. وبحَديثِ ابنِ عمرَ مَرفوعًا: «إذَا خطَبَ الإِمَامُ فلَا صَلاةَ ولا كلَامَ» (٢).

ولقولِه : «إذا قُلتَ لصاحِبِك يومَ الجمُعةِ: «أَنصِت» وَالإِمَامُ يَخطُبُ، فقد لَغَوتَ» (٣)، ومَعلومٌ أنَّ ذلك زَجرٌ عن تَركِ الإِنصاتِ، وإذا زُجرَ عن هذا القَدرِ فما زادَ عليه أَولى بالمَنعِ، ولأنَّ القولَ: «أَنصِت» مِنْ مَصالحِ الإِنصاتِ ودُعاءٌ إليه، فإذا كانَ ذلك مَنهِيًّا عنه مع قلَّةِ خَطرِه ويَسارَةِ التَّشاغُلِ به، كانَ ما زادَ عليه وما ليسَ مِنْ بابِه أَولى.

ولأنَّه مَعنًى يَشغَلُ عن استِماعِ الخُطبةِ كالكَلامِ والأكلِ، ولأنَّها صَلاةٌ ابتُدِئت حالَ خُطبةِ الإمامِ كالتَّنفُّلِ المُبتدَأِ، ولأنَّ كلَّ حالٍ لو كانَ عليها وهو في المَسجدِ لم يَجزْ له ابتِداءُ التَّنفُّلِ معها، فكذلك إذا صادَفَها دُخولُه، أصلُه حالُ إقامةِ الإمامِ، أو حالُ تَلبُّسِه بالصَّلاةِ، ولأنَّ كلَّ صَلاةٍ لو رامَها مَنْ هو في المَسجدِ، لم يَجزْ له، فلا يَجوزُ للدَّاخِلِ، أصلُه ما ذكَرْناه.

ولأنَّ الاستِماعَ إلى الخُطبةِ واجِبٌ، ولأنَّ الصَّلاةَ تَشغَلُه عنه، ولا يَجوزُ الاشتِغالُ بالتَّطوُّعِ وتَركُ الواجِبِ.


(١) حَديثٌ صَحيحٌ: رواه أبو داود (١١٨)، وابن ماجه (١١١٥)، والنسائي (١٣٩٩).
(٢) قال الشَّيخ الألباني في «الضعيفة» (٨٧): باطل. وانظر: «الثمر الداني» (١/ ٦٢٤).
(٣) رواه البخاري (٨٩٢)، ومسلم (٨٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>