للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ الحَنفيةُ والمالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابلةُ في المَذهبِ إلى أنَّ حَدَّ الخمرِ يكونُ بالضربِ بالسَّوطِ؛ لأنَّ النبيَّ قالَ: «إذا شَربَ الخمرَ فاجلِدوهُ»، والجَلدُ إنما يُفهَمُ من إطلاقِه الضربُ بالسَّوطِ، ولأنه أمَرَ بجَلدِه كما أمَرَ تعالَى بجَلدِ الزاني، فكانَ بالسوطِ مِثلَه، والخُلفاءُ الراشِدونَ ضَرَبوا بالسِّياطِ وكذلكَ غيرُهم، فكانَ إجماعًا، فأما حَديثُ أبي هُريرةَ فكانَ في بَدءِ الأمرِ ثمَّ جلَدَ النبيُّ واستَقرَّتِ الأمورُ، فقدْ صَحَّ «أنَّ النبيَّ جلَدَ أربَعينَ، وجلَدَ أبو بَكرٍ أربَعينَ، وجلَدَ عُمرُ ثمانينَ، وجلَدَ عليٌّ الوليدَ بنَ عُقبةَ أربعينَ»، وفي حَديثِ جَلدِ قُدامةَ حينَ شَربَ أنَّ عمرَ قالَ: «ائتُوني بسَوطٍ، فَجاءَه أسلَمُ مَولاهُ بسَوطٍ دَقيقٍ صَغيرٍ، فأخَذَه عُمرُ فمسَحَه بيَدِه ثمَّ قالَ لأسلَمَ: أنا أحدِّثُكَ إنكَ ذكَرْتَ قَرابتَه لأهلِكَ، ائْتِني بسَوطٍ غيرِ هذا، فأتاهُ به تامًّا، فأمَرَ عمرُ بقُدامةَ فجُلدَ».

قالَ ابنُ قُدامةَ : إذا ثبَتَ هذا فإنَّ السَّوطَ يكونُ وسَطًا، لا جَديدًا فيَجرحُ، ولا خَلقًا فيَقلُّ ألَمُه؛ لِما رُويَ «أنَّ رَجلًا اعتَرفَ عندَ رَسولِ اللهِ بالزنا، فدَعا له رسولُ اللهِ بسَوطٍ، فأُتِيَ بسَوطٍ مَكسورٍ، فقالَ: فَوقَ هذا، فأُتِيَ بسَوطٍ جَديدٍ لم تُكسَرْ ثَمرتُه، فقالَ: بيْنَ هذَينِ» رواهُ مالكٌ عن زيدِ بنِ أسلَمَ مُرسَلًا، ورُويَ عن أبي هُريرةَ مُسنَدًا، وقد رُويَ عن عليٍّ أنه قالَ: «ضَربٌ بينَ ضَربَينِ وسَوطٌ بينَ سَوطينِ»، وهكذا الضَّربُ يكونُ وسَطًا، لا شَديدٌ فيَقتلُ، ولا ضَعيفٌ فلا يَردعُ، ولا يَرفعُ باعَه كلَّ الرفعِ، ولا يَحطُّه فلا يُؤلمُ، قالَ

<<  <  ج: ص:  >  >>