للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذهَبَ الحَنفيةُ في قَولٍ اختارَه الحَصكفيُّ إلى أنه يُقامُ عليه الحَدُّ؛ لأنَّ السُّكْرَ حَرامٌ في جَميعِ الأديانِ (١).

لكنْ قالَ ابنُ عابدِينَ : ولِي فيه نَظرٌ؛ فإنَّ الخَمرَ لم تكنْ مُحرَّمةً في صَدرِ الإسلامِ، وقد كانَ الصحابةُ يَشربونَها وربَّما سَكِروا منها كما جاءَ صَريحًا، فمِن ذلكَ ما في «الفَتْح» عن التِّرمذيِّ عن عليٍّ : «صنَعَ لنا عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ طَعامًا، فدعانا وسَقَانا مِنْ الخَمرِ، فأخَذَتِ الخَمرُ منَّا وحضَرَتِ الصلاةُ، فقدَّمونِي فقَرأتُ: ﴿قُلْ يَا أَيُّهَا الكَافِرُونَ (١) لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ (٢) وَنَحْنُ نَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ﴾، قالَ: فأنزَلَ اللهُ تعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى﴾ [النساء: ٤٣] الآيَة. اه فلو كانَ السُّكرُ حَرامًا لَزمَ تَفسيقَ الصَّحابةِ.

ثمَّ رأيتُ في تُحفةِ ابنِ حَجرٍ قالَ: وشَربَها المُسلمونَ أولَ الإسلامِ، قيلَ: استِصحابًا لِمَا كانَ قبلَ الإسلامِ.

والأصحُّ: أنه بوَحيٍّ، ثم قيلَ: المُباحُ الشُّربُ لا غَيبةُ العَقلِ؛ لأنه حَرامٌ في كُلِّ مِلةٍ، وزَيَّفَه المُصنِّفُ -يعني: النَّوويَّ-، وعليهِ: فالمُرادُ بقَولِهم بحُرمتِه في كلِّ مِلةٍ أنه باعتبارِ ما استَقرَّ عليهِ أمرُ ملَّتِنا. اه

وهذا مُؤيِّدٌ لِما بَحثتُه، لكنْ في جَوابِه الأخيرِ نَظرٌ (٢).

وذهَبَ الشافِعيةُ في وَجهٍ أننا نُقِيمُ على الذميِّ الحَدَّ برِضاهُ بحُكمِنا (٣).


(١) «الدر المختار» (٤/ ٣٧).
(٢) «حاشية ابن عابدين» (٤/ ٣٧)، و «غمز عيون البصائر» (٣/ ٣٩٦).
(٣) «النجم الوهاج» (٩/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>