للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُويَ أنَّ النبيَّ قالَ: «ما أسكَرَ كَثيرُه .. فقَليلُه حَرامٌ» (١).

ورَوتْ عائِشةُ أنَّ النبيَّ قالَ: «ما أسكَرُ الفَرَقُ منهُ .. فمِلءُ الكَفِّ منه حَرامٌ» (٢)، و (الفَرْقُ) بسُكونِ الراءِ: مِكيالٌ يَسعُ مِائةً وعِشرينَ رَطلًا، وبنَصبِ الراءِ: يَسعُ سِتةَ عشَرَ رَطلًا، والخبَرُ رُويَ بنَصبِ الراءِ.

ولأنَّ اللهَ تعالَى حرَّمَ الخَمرَ ونبَّهَ على المعنَى الذي حرَّمَها لأجْلِه، وهو أنَّ الشَّيطانَ يُوقِعُ فيها العَداوةَ والبَغضاءَ ويَصدُّ بها عن ذِكرِ اللهِ وعن الصلاةِ، وهذه المَعاني مَوجودةٌ في هذه الأشرِبةِ، فوجَبَ أنْ يكونَ حُكمُها حُكمُ الخَمرِ في التَّحريمِ والحَدِّ.

إذا ثبَتَ هذا: فاختَلفَ أصحابُنا في هذه الأشربةِ، هل يَقعُ عليها اسمُ الخَمرِ؟

فمِنهُم مَنْ قالَ: يَقعُ عليها اسمُ الخَمرِ؛ لقَولِه : «إنَّ مِنْ التمرِ خَمرًا، وإنَّ مِنْ العَسلِ خَمرًا، وإنَّ مِنْ الشَّعيرِ خَمرًا، وإنَّ مِنْ البُرِّ خَمرًا»، ورُويَ عن عُمرَ وأبي مُوسَى الأشعَريِّ أنهُما قالا: «الخَمرُ ما خامَرَ العَقلَ»، فعَلى هذا: يُحتَجُّ على تَحريمِ هذا الأشرِبةِ بالآيةِ.

وقالَ أكثَرُ أصحابِنا: لا يَقعُ عليها اسمُ الخَمرِ؛ لقَولِه : «حُرِّمَتِ الخَمرةُ بعَينِها، والمُسكِرُ مِنْ كلِّ شَرابٍ»، فلو كانَ اسمُ الخَمرِ


(١) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٦٨١)، والترمذي (١٨٦٥)، والنسائي (٥٦٠٧)، وابن ماجه (٣٣٩٣، ٣٣٩٤).
(٢) حَدِيثٌ صَحِيحٌ: رواه أبو داود (٣٦٨٧)، والترمذي (١٨٦٦)، وأحمد (٢٤٤٦٨)، وابن حبان في «صحيحه» (٥٣٨٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>