للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أصحابِ الشافِعيِّ: «مُدةُ ذلكَ سَنةٌ»، وهذا تَوقيتٌ بغيرِ تَوقيفٍ فلا يَجوزُ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ : فَصلٌ: قِياسُ تَوبةِ التائبِ على تَوبةِ المُحارِبِ:

وأما اعتِبارُ تَوبةِ المُحارِبِ قبلَ القُدرةِ عليه دونَ غيرِه فيُقالُ: أينَ في نُصوصِ الشارِعِ هذا التَّفريقُ؟ بل نَصُّه على اعتبارِ تَوبةِ المحارِبِ قبلَ القُدرةِ عليهِ إمَّا مِنْ بابِ التَّنبيهِ على اعتِبارِ تَوبةِ غَيرِه بطَريقِ الأَولى؛ فإنه إذا دفَعَتْ تَوبتُه عنه حَدَّ حِرابَه مع شِدةِ ضَررِها وتَعدِّيه فلَأنْ تَدفعَ التوبةُ ما دونَ حَدِّ الحِرابِ بطَريقِ الأَولى والأَحرى، وقد قالَ اللهُ تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾ [الأنفال: ٣٨]، وقالَ النبيُّ : «التائِبُ مِنْ الذَّنبِ كمَن لا ذنْبَ لهُ» (٢)، واللهُ تعالَى جعَلَ الحُدودَ عُقوبةً لأربابِ الجَرائمِ، ورفَعَ العُقوبةَ عن التائبِ شَرعًا وقَدرًا، فليسَ في شَرعِ اللهِ ولا قَدَرِه عُقوبةُ تائبٍ ألبتَّةَ.

وفي الصَّحيحينِ مِنْ حَديثِ أنسٍ قالَ: «كنتُ مع النبيِّ فَجاءَ رَجلٌ فقالَ: يا رَسولَ اللهِ إنِّي أصَبْتُ حَدًّا فأَقِمْه عليَّ، قالَ: ولم يَسألْه عنهُ، فحضَرَتِ الصلاةُ فصَلَّى مع النبيِّ ، فلما قضَى النبيُّ الصلاةَ قامَ إليهِ الرَّجلُ فأعادَ قولَه، قالَ: أليسَ قد صَلَّيتَ مَعَنا؟ قالَ: نَعمْ، قالَ: فإنَّ اللهَ ﷿ قد غفَرَ لكَ ذنْبَكَ» (٣)، فهذا لمَّا جاءَ


(١) «المغني» (٩/ ١٣٠، ١٣١).
(٢) حَدِيثٌ حَسَنٌ: رواه ابن ماجه (٤٢٥٠).
(٣) رواه البخاري (٦٤٣٧)، ومسلم (٢٧٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>