للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولا يَسألُهم الحاكِمُ هل كانَا معُهم أم لا؟ وقالَ بعضُ العِراقيينَ: (لا يَحكمُ بشاهَدتِهما حتى يَسألَهما هل كانا مع القَومِ أم لا؟ فإنْ قالا: «لا» حكَمَ لها، وإنْ قالا: «نعمْ» لم يَحكمْ؛ لأنَّ ما احتَملَ القَبولَ والرَّدَ لم يُحكمْ به مع الاحتمالِ)، وهذا ليسَ بصَحيحٍ؛ لأنَّ ظاهرَ العَدالةِ تَصرِفُ الشهادةَ إلى الصِّحةِ دونَ الفَسادِ، كما أنَّ الظاهرَ صِدقُهما وإنْ جازَ كَذبُهما، فلمْ يَجُزْ أنْ يُجعلَ الاحتمالُ طريقًا إلى رَدِّها إذا أوجَبَ الظاهرُ قَبولَهما (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ قُدامةَ : إذا شَهدَ عَدلانِ على رَجلٍ أنه قطَعَ عليهِما الطريقَ وعلى فُلانٍ وأخَذَ مَتاعُهم لم تُقبلْ شَهادتُهما؛ لأنهُما صارَا خَصمَينِ له بقَطعِه عليهِما، وإنْ قالا: «نَشهدُ أنَّ هذا قطَعَ الطريقَ على فُلانٍ وأخَذَ مَتاعَه» قُبِلتْ شَهادتُهما ولم يَسألْهما الحاكِمُ: هل قطَعَ عليكُما معَه أم لا؟؛ لأنه لا يَسألُهما ما لم يَدَّعِ عليهِما.

وإنْ عادَ المَشهودُ له فشَهدَ عليه أنه قطَعَ عليهِما الطريقَ وأخَذَ مَتاعَهما لم تُقبلْ شَهادتُه؛ لأنه صارَ عَدوًّا له بقَطعِه الطَّريقَ عليهِ، وإنْ شَهدَ شاهِدانِ «أنَّ هؤلاءِ عَرَضوا لنا في الطريقِ وقَطَعوها على فُلانٍ» قُبِلتْ شَهادتُهما؛ لأنه لم يَثبتْ كَونُهما خَصمينَ بما ذَكَراهُ (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ إلى أنه إذا شَهدَ رَجلانِ مِنْ الرِّفقةِ تَجوزُ شَهادتُهما قالوا: تَجوزُ على المُحارِبينَ شَهادةُ مَنْ حارَبوهُ إنْ كانوا عُدولًا؛ إذ لا سَبيلَ


(١) «الحاوي الكبير» (١٣/ ٣٧٢، ٣٧٣)، و «الأم» (٦/ ١٥٣).
(٢) «المغني» (٩/ ١٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>