للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقالَ أبو يُوسفَ : إنْ باشَرَ الأخذَ الصبيُّ والمَجنونُ فلا حَدَّ عليهِم جَميعًا، وإنْ باشَرَه العُقلاءُ البالِغونَ حُدُّوا ولم يُحَدَّ الصبيُّ والمَجنونُ؛ لأنَّ الصبيَّ والمَجنونَ إذا باشَرُوا فهُم المَتبوعونَ والباقونَ تَبعٌ، فإذا سقَطَ الحَدُّ عن المَتبوعِ فسُقوطُه عن التَّبعِ أَولى (١).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ إلى أنه إنْ كانَ فيهِم صبيٌّ أو مَجنونٌ أو ذُو رَحمٍ مِنْ المَقطوعِ عليهِ لم يَسقطِ الحَدُّ عن غيرِه، قالَ ابنُ قُدامةَ : في قَولِ أكثَرِ أهلِ العِلمِ.

وقالَ أبو حَنيفةَ: يَسقطُ الحَدُّ عن جَميعِهم ويَصيرُ القَتلُ للأولياءِ، إنْ شاؤُوا قَتَلوا مَنْ قتَلَ وإنْ شاؤُوا عَفَوا؛ لأنَّ حُكمَ الجَميعِ واحِدٌ، فالشُّبهةُ في فِعلِ واحدٍ شُبهةٌ في حَقِّ الجَميعِ.

ولنَا: إنها شُبهةٌ اختصَّ بها واحِدٌ، فلمْ يَسقطِ الحَدُّ عن الباقينَ، كما لو اشتَرَكوا في وَطءِ امرأةٍ، وما ذَكَروه لا أصلَ لهُ، فعَلى هذا لا حَدَّ على الصبيِّ والمَجنونِ وإنْ باشَرَا القَتلَ وأخَذَا المالَ؛ لأنهما ليسَا مِنْ أهلِ الحُدودِ، وعليهِما ضَمانُ ما أخذَ مِنْ المالِ في أموالِهِما، وديَةُ قَتيلِهما على عاقِلتِهما ولا شَيءَ على الرِّدءِ لهُما؛ لأنه إذا لم يَثبتْ ذلك للمُباشِرِ لم يَثبتْ لمَن هو تَبعٌ له بطَريقِ الأَولى، وإنْ كانَ المُباشِرُ غيرَهما لم يَلزمْهُما شيءٌ؛ لأنهُما لم يَثبتْ في حَقِّهما حُكمُ المُحارَبةِ، وثُبوتُ الحُكمِ في حَقِّ الرِّدءِ ثبَتَ بالمُحارَبةِ (٢).


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٩١)، و «الاختيار» (٤/ ١٣٩)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٤٤٢، ٤٤٣).
(٢) «المغني» (٩/ ١٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>