وأمَّا السُّنةُ: فما رُويَ عن سَيدِنا عبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ ﵁ عن رَسولِ اللهِ ﷺ قالَ: «لا يُغرَّمُ السارقُ إذا أُقيمَ عليهِ الحَدُّ»(١)، والغُرمُ في اللُّغةِ ما يَلزمُ أداؤُه، وهذا نَصٌّ في البابِ.
وأما المَعقولُ فمِن وَجهينِ: أحَدُهما: بِناءٌ، والآخَرُ: ابتِداءٌ.
أمَّا وَجهُ البِناءِ: فهو أنَّ المَضموناتِ عندَنا تُملَكُ عندَ أداءِ الضمانِ أو اختيارِه مِنْ وَقتِ الأخذِ، فلو ضَمَّنَا السارقَ قيمةَ المَسروقِ أو مِثلَه لَملَكَ المَسروقَ مِنْ وَقتِ الأخذِ، فتَبيَّنَ أنه قُطعَ في مِلكِ نَفسِه، وذلكَ لا يَجوزُ.
وأما وَجهُ الابتِداءِ: هو أنَّ الضمانَ إنما يَجبُ بأخذِ مالٍ مَعصومٍ ثَبتَتْ عِصمتُه حقًّا للمالِكِ، فيَجبُ أنْ يكونَ المَضمونُ بهذهِ الصفةِ ليَكونَ اعتِداءً بالمِثلِ في ضَمانِ العُدواناتِ، والمَضمونُ حالةَ السرقةِ خرَجَ مِنْ أنْ يَكونَ مَعصومًا حقًّا للمالكِ؛ بدَلالِة وُجوبِ القَطعِ، ولو بَقيَ مَعصومًا حقًّا للمالِكِ لَمَا وجَبَ؛ إذِ الثابتُ حقًّا للعَبدِ يَثبتُ لدَفعِ حاجتِه، وحاجةُ السارقِ كحاجَةِ المَسروقِ منهُ، فتَتمكَّنُ فيه شُبهةُ الإباحةِ، وإنها تَمنعُ وُجوبَ القطعِ، والقَطعُ واجِبٌ، فيَنتفي الضَّمانُ ضَرورةً، إلا أنه وجَبَ رَدُّ المَسروقِ حالَ قيامِه لأنَّ وُجوبَ الرَدِّ يَقفُ على المِلكِ لا على العِصمةِ، ألَا تَرى أنَّ مَنْ غصَبَ خمْرَ المُسلمِ يُؤمَرُ بالردِّ إليهِ؛ لقِيامِ مِلكِه فيها، ولو هلَكَتْ في يَدِ الغاصبِ لا ضَمانَ عليهِ؛ لعَدمِ العِصمةِ، فلمْ يَكنْ مِنْ ضَرورةِ سُقوطِ العِصمةِ الثابتةِ حقًّا للعَبدِ زَوالُ مِلكِه عن المَحلِّ، وهَهُنا المِلكُ قائمٌ، فيُؤمَرُ بالردِّ إليهِ، والعِصمةُ زائلةٌ، فلا يَكونُ مَضمونًا بالهَلاكِ.