للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

القُفلَ، ولا يُمكِنُ صاحِبَ المَتاعِ الاحتِرازُ بأكثَرَ مِنْ ذلكَ، فلو لم يَشرعْ قطْعَه لَسرَقَ الناسُ بعضُهم بَعضًا وعَظُمَ الضَّررُ واشتَدَّتِ المِحنةُ بالسُّراقِ، بخِلافِ المُنتهِبِ والمُختلِسِ.

فإنَّ المُنتهِبَ هو الذي يأخُذُ المالَ جَهرةً بمَرأى مِنْ الناسِ، فيُمكِنُهم أنْ يَأخُذوا على يَديهِ ويُخلِّصوا حَقَّ المَظلومِ أو يَشهَدوا له عندَ الحاكمِ.

وأمَّا المُختلِسُ فإنه إنَّما يأخُذُ المالَ على حِينِ غَفلةٍ مِنْ مالكِه وغيرِه، فلا يَخلو مِنْ نَوعِ تَفريطٍ يُمكِّنُ به المُختلِسَ مِنْ اختِلاسِه، وإلا فمَعَ كَمالِ التحفُّظِ والتيقُّظِ لا يُمكِنُه الاختلاسُ، فلَيسَ كالسارقِ، بل هوَ بالخائنِ أشبَهُ، وأيضًا فالمُختلِسُ إنما يأخُذُ المالَ مِنْ غيرِ حِرزِ مِثلِه غالبًا؛ فإنه الذي يُغافِلُكَ ويَختلسُ مَتاعَكَ في حالِ تَخلِّيكَ عنه وغَفلتِكَ عن حِفظِه، وهذا يُمكِنُ الاحتِرازُ منه غالبًا، فهوَ كالمُنتهِبِ.

وأما الغاصِبُ فالأمرُ فيهِ ظاهرٌ، وهو أَولى بعَدمِ القَطعِ مِنْ المُنتهِبِ، ولكنْ يَسوغُ كَفُّ عُدوانِ هؤلاءِ بالضَّربِ والنَّكالِ والسِّجنِ الطَّويلِ والعُقوبةِ بأخذِ المالِ.

فإنْ قيلَ: فقدْ ورَدَتِ السُّنةُ بقَطعِ جاحِدِ العارِيةِ، وغايتُه أنه خائنٌ، والمُعيرُ سلَّطَه على قَبضِ مالِه، والاحتِرازُ منهُ مُمكِنٌ بأنْ لا يُدفعَ إليه المالُ، فبَطلَ ما ذَكَرتُم مِنْ الفَرقِ.

قيلَ: لعَمرُ اللهِ لقدْ صَحَّ الحَديثُ بأنَّ «امرَأةً كانَتْ تَستعيرُ المَتاعَ وتَجحدُه، فأمَرَ بها النبيُّ فقُطعَتْ يَدُها»، فاختَلفَ الفُقهاءُ في

<<  <  ج: ص:  >  >>