للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَجهُ الاستِحسانِ أنَّ هذا مالٌ فيه شُبهةُ الإباحةِ؛ لأنَّ الحَربيَّ المُستأمنَ مِنْ أهلِ دارِ الحَربِ، وإنَّما دخَلَ دارَ الإسلامِ ليَقضيَ بعضَ حَوائجِه ثمَّ يَعودَ عن قَريبٍ، فكَونُه مِنْ أهلِ دارِ الحَربِ يُورثُ شُبهةَ الإباحةِ في مالِه، ولهذا أورَثَ شُبهةَ الإباحةِ في دَمِه حتَّى لا يُقتَلُ به المِؤمِنُ قِصاصًا، ولأنه كانَ مُباحًا، وإنَّما تَثبتُ العِصمةُ بعارِضِ أمانٍ هو على شَرفِ الزَّوالِ، فعندَ الزَّوالِ يَظهرُ أنَّ العِصمةَ لم تَكنْ على الأصلِ المَعهودِ؛ لأنَّ كلَّ عارضٍ على أصلٍ إذا زالَ يُلحقُ بالعدمِ مِنْ الأصلِ، كأنه لم يَكنْ، فيُجعَلُ كأنَّ العِصمةَ لم تَكنْ ثابتةً، بخِلافِ الذِّميِّ؛ لأنه مِنْ أهلِ دارِ الإسلامِ، وقد استَفادَ العِصمةَ بأمانٍ مُؤبَّدٍ، فكانَ مَعصومَ الدمِ والمالِ عِصمةً مُطلَقةً ليس فيها شُبهةُ الإباحةِ، وبخِلافِ ضَمانِ المالِ؛ لأنَّ الشُّبهةَ لا تَمنعُ وُجوبَ ضَمانِ المالِ؛ لأنه حَقُّ العبدِ، وحُقوقُ العِبادِ لا تَسقطُ بالشُّبهاتِ (١).

وذهَبَ الشافِعيةُ في قَولٍ إلى أنه إنْ شُرطَ عليهِ في العَهدِ قُطعَ، وإلا فلا (٢).

وذهَبَ المالِكيةُ والشافِعيةُ في قَولٍ والحَنابلةُ إلى أنَّ المُسلمَ يُقطَعُ بسَرقةِ مالِ المُعاهدِ؛ لأنه سرَقَ مالًا مَعصومًا مِنْ حِرزِ مِثلِه، فوجَبَ قَطعُه كسارقِ مالِ الذِّميِّ (٣).

وقد تَقدمَتِ المَسألةُ في الرُّكنِ الأولِ.


(١) «بدائع الصنائع» (٧/ ٧١)، و «الجوهرة النيرة» (٥/ ٣٨٤).
(٢) «روضة الطالبين» (٦/ ٥٧٩).
(٣) «الإفصاح» (٢/ ٢٨٥)، و «تهذيب المدونة» (٢/ ٢٤٦)، و «التاج والإكليل» (٢/ ٣٩١)، و «روضة الطالبين» (٦/ ٥٧٩)، و «المغني» (٩/ ١١٢)، و «كشاف القناع» (٦/ ١٨١)، و «مطالب أولي النهى» (٦/ ٢٤٤، ٢٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>