ولأنَّ الحَدَّ إنما يَجبُ لدَفعِ العارِ عن المَقذوفِ، ومَن لا عِفَّةَ له عن الزنا لا يَلحقُه العارُ بالقذفِ بالزنا.
ومعنَى العِفةِ عن الزِّنى ألا يكونَ المَقذوفُ وَطئَ في عُمرِه وَطئًا حَرامًا في غيرِ ملكٍ ولا نكاحٍ أصلًا، ولا في نِكاحٍ فاسدٍ فَسادًا مُجمَعًا عليهِ، فإنْ كانَ قد فعَلَ شَيئًا مِنْ ذلكَ سقَطَتْ عفَّتُه، سواءٌ كانَ الوطءُ زنًى مُوجِبًا للحدِّ أم لا، فالعِفةُ الفِعليةُ يَشترطُها الأئمَّةُ الثلاثةُ، وأما الأمامُ أحمدُ فيَكتفِي بالعِفةِ الظاهرةِ عن الزِّنى، فمَن لم يَثبتْ عليه الزنا ببيِّنةٍ أو إقرارٍ ومَن لم يُحَدَّ للزنا فهو عَفيفٌ، ثمَّ إنْ كانَ القذفُ بنفيِ النسبِ حُدَّ اتِّفاقًا.
قالَ الإمامُ الكاسانِيُّ ﵀: ثمَّ تَفسيرُ العِفةِ عن الزنا هو إنْ لم يَكنِ المَقذوفُ وَطئَ في عُمرِه وَطأً حَرامًا في غيرِ مِلكٍ ولا نكاحٍ أصلًا، ولا في نكاحٍ فاسِدٍ فَسادًا مُجمَعًا عليه في السَّلفِ، فإنْ كانَ فعَلَ سَقطَتْ عفَّتُه، سواءٌ كانَ الوطءُ زنًا مُوجِبًا للحدِّ أو لم يَكنْ بعدَ أنْ يكونَ على الوَصفِ الذي ذكَرْنا.
وإنْ كانَ وَطئَ وَطأً حَرامًا لكنْ في المِلكِ أو النكاحِ حَقيقةً أو في نكاحٍ فاسِدٍ لكنْ فَسادًا هو مَحلُّ الاجتهادِ لا تَسقطُ عفَّتُه.
وبَيانُ هذهِ الجُملةِ في مَسائلَ:
إذا وَطئَ امرأةً بشُبهةٍ بأنْ زُفَّتْ إليه غيرُ امرَأتِه فوَطئَها سقَطَتْ عفَّتُه؛ لوُجودِ الوطءِ الحرامِ في غيرِ مِلكٍ ولا نكاحٍ أصلًا، إلا أنه لم يَجبِ الحدُّ لقِيامِ الدليلِ المُبيحِ مِنْ حيثُ الظاهرِ على ما ذكَرْنا فيما تقدَّمَ …