للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولمَا رَوى أبو سَعيدٍ عن النَّبيِّ أنَّه قالَ: «إذا كانُوا ثَلاثةً فَليَؤُمَّهُم أَحدُهُم، وَأَحقُّهُم بِالإِمَامَةِ أَقرَؤُهُم» (١). رَواه مُسلِمٌ، وعنِ ابنِ عمرَ قالَ: «لمَّا قَدِمَ المُهَاجِرُونَ الأَوَّلُونَ العُصبَةَ، مَوضِعٌ بِقُباءَ، قبلَ مَقدَمِ رَسولِ اللهِ كانَ يَؤُمُّهُم سَالِمٌ مَولى أبي حُذَيفَةَ، وكانَ أكثرَهُم قُرآنًا» (٢).

وكانَ فيهم عمرُ بنُ الخطَّابِ، وأبو سَلمةَ بنُ عَبد الأسَدِ، وفي حَديثِ عمرَ بنِ سَلمةَ أنَّ النَّبيَّ قالَ: «لِيَؤُمَّكم أكثرُكم قُرآنًا» (٣)؛ ولأنَّ القِراءةَ رُكنٌ في الصَّلاةِ، كانَ القادِرُ عليها أَولَى، كالقادِرِ على القِيامِ مع العاجزِ عنه.

وذَهب الأئمَّةُ الثَّلاثةُ أبو حَنيفَةَ ومالِكٌ والشافِعيُّ إلى أنَّ الأعلَمَ بأحكامِ الفِقهِ أولَى بالإمامةِ مِنْ الأقرَأِ، إذا كانَ يُحسِنُ مِنْ القِراءةِ ما تَجوزُ به الصَّلاةُ؛ لافتِقارِ الصَّلاةِ بعدَ هذا القَدرِ مِنْ القِراءةِ إلى العِلمِ؛ ليَتمكَّنَ به مِنْ تَدارُكِ ما عَسَى أن يَعرِضَ في الصَّلاةِ مِنْ العَوارِضِ، ولِافتِقارِ القِراءةِ أيضًا إلى العِلمِ بالخَطَأِ المُفسِدِ لِلصَّلاةِ فيها.

فلذلكَ كانَ الأعلَمُ أفضَلَ، حتى قالوا: إنَّ الأعلَمَ إذا كانَ ممَّن يَجتَنِبُ الفَواحشَ الظاهِرةَ، وكانَ الأقرَأُ أورَعَ منه، فالأعلَمُ أولَى، إلا أنَّ النَّبيَّ قدَّم الأقرَأَ في الحَديثِ؛ لأنَّ الأقرَأَ في ذلك الزَّمانِ كانَ أعلَمَ؛


(١) رواه مُسلِم (٦٧٢).
(٢) رواه البُخاري (٦٦٠).
(٣) رواه البُخاري (٤٠٥١).

<<  <  ج: ص:  >  >>