واختَلفُوا فيما هي العَدالةُ، فقالَ الجُمهورُ: هي صِفةٌ زائِدةٌ على الإسلامِ، هو أنْ يكونَ مُلتزِمًا لواجِباتِ الشَّرعِ ومُستحَباتِه مُجتنِبًا للمُحرَّماتِ والمَكروهاتِ، وقالَ أبو حَنيفةَ: يَكفي في العَدالةِ ظاهِرُ الإسلامِ وأنْ لا تُعلَمَ منه جرحةٌ.
وسَببُ الخِلافِ -كما قُلنَا- تَردُّدُهم في مَفهومِ اسمِ العَدالةِ المُقابِلةِ للفسقِ؛ وذلكَ أنهم اتَّفقُوا على أنَّ شَهادةَ الفاسقِ لا تُقبَلُ؛ لقولِه تعالَى: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ﴾ [الحجرات: ٦] الآيَة.
ولم يَختلفُوا أنَّ الفاسِقَ تُقبَلُ شَهادتُه إذا عُرِفتْ تَوبتُه إلَّا مَنْ كانَ فِسقُه مِنْ قِبَلِ القَذفِ، فإنَّ أبا حَنيفةَ يقولُ: لا تُقبَلُ شَهادتُه وإنْ تابَ، والجُمهورُ يَقولونَ تُقبَلُ.
وسَببُ الخِلافِ: هل يَعودُ الاستثناءُ في قولِه تعالَى: ﴿وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ﴾ [النور: ٤، ٥] إلى أقرَبِ مَذكورٍ إليهِ، أو على الجُملةِ إلا ما خصَّصَه الإجماعُ، وهو أنَّ التوبَةَ لا تُسقِطُ عنه الحدَّ (١).