للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ الإمامُ النَّوويُّ : جاءَ تَلقينُ الرُّجوعِ عنِ الإقرارِ بالحُدودِ عن النبيِّ وعنِ الخُلفاءِ الراشدِينَ ومَن بعدَهم، واتَّفقَ العُلماءُ عليهِ (١).

وقالَ الإمامُ ابنُ بطَّالٍ : قالَ المُهلَّبُ وغيرُه: في هذا الحَديثِ دليلٌ على جَوازِ تلقينِ المُقِرِّ في الحُدودِ ما يدرأُ بها عنه، ألَا ترَى أنَّ النبيَّ قالَ لماعِزٍ: «لعلَّكَ غَمزْتَ أو قبَّلْتَ» ليَدرأَ عنه الحَدَّ؛ إذْ لفظُ الزِّنا يقَعُ على نَظرِ العَينِ وجَميعِ الجَوارحِ، فلمَّا أتَى ماعزٌ بلَفظٍ مُشتركٍ لم يَحدَّه النبيُّ حتَّى وقَفَ على صَحيحِ ما أتاهُ بغيرِ إشكالٍ؛ لأنَّ مِنْ سُننِه درءُ الحُدودِ بالشُّبهاتِ، فلمَّا أفصَحَ وبيَّنَ أمَرَ برَجمِه.

قالَ غيرُه: وهذا يَدلُّ أنَّ الحُدودَ لا تُقامُ إلا بالإفصاحِ دونَ الكِناياتِ، ألَا ترَى لو أنَّ الشُّهودَ شَهدُوا على رَجلٍ بالزِّنا ولم يَقولُوا: «رَأيْناهُ أولَجَ فيها» كانَ حُكمُهم حُكمَ مَنْ قذَفَ لا حُكمَ مَنْ شَهدَ؛ رِفقًا مِنْ اللهِ بعبادِه وستْرًا عليهم ليَتوبُوا.

قالَ المهلَّبُ: وقد استَعملَ التَّلقينَ بعدَ النبيِّ أصحابُه الراشِدونَ، روَى مالكٌ عن يحيَى بنِ سعيدٍ «أنَّ عُمرَ أتاهُ رَجلٌ وهو بالشَّامِ فذكَرَ أنه وجَدَ مع امرأتِه رَجلًا، فبعَثَ عُمرُ أبا واقِدٍ إلى امرأتِه يَسألُها عمَّا قالَ زوجُها لعُمرَ، وأخبَرَها أنها لا تُؤخَذُ بقولِه، وجعَلَ يُلقِّنُها أشباهَ ذلكَ لتَنزِعَ، فأبَتْ أنْ تَنزعَ فرجَمَها عمرُ».


(١) «شرح صحيح مسلم» (١١/ ١٩٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>