للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا ثبَتَ هذا فإنه إذا هرَبَ لم يُتبَعْ؛ لقولِ النبيِّ : «هلَّا تَركتُموهُ»، وإنْ لم يُتركْ وقُتلَ لم يُضمَنْ؛ لأنَّ النبيَّ لم يُضمِّنْ ماعِزًا مَنْ قتَلَه، ولأنَّ هرَبَه ليسَ بصَريحٍ في رُجوعِه، وإنْ قالَ: «رُدُّوني إلى الحاكمِ» وجَبَ رَدُّه ولم يَجُزْ إتمامُ الحدِّ، فإنْ أُتِمَّ فلا ضَمانَ على مَنْ أتَمَّه؛ لِمَا ذكَرْنا في هَربِه.

وإنْ رجَعَ عن إقرارِه وقالَ: «كذَبْتُ في إقرارِي، أو رَجعْتُ عنه، أو لم أفعَلْ ما أقرَرْتُ بهِ» وجَبَ تَركُه، فإنْ قتَلَه قاتلٌ بعدَ ذلكَ وجَبَ ضَمانُه؛ لأنه قد زالَ إقرارُه بالرُّجوعِ عنهُ، فصارَ كمَنْ لم يُقِرَّ، ولا قِصاصَ على قاتلِه؛ لأنَّ أهلَ العلمِ اختَلفُوا في صحَّةِ رُجوعِه، فكانَ اختِلافُهم شبهةً دارِئةً للقِصاصِ، ولأنَّ صِحةَ الإقرارِ ممَّا يَخفى، فيكونُ ذلكَ عُذرًا مانِعًا مِنْ وُجوبِ القِصاصِ (١).

وقالَ الإمامُ الطَّحَاويُّ : قد رَأيْناهُم جَميعًا لمَّا رَوَوا عن رسولِ اللهِ في المُقِرِّ بالزِّنا لمَّا هرَبَ فقالَ النبيُّ : «لولا خلَّيتُم سَبيلَه» فكانَ ذلكَ عندَهم على أنَّ رُجوعَه مَقبولٌ، واستَعملُوا ذلكَ في سائرِ حُدودِ اللهِ ﷿، فجعَلُوا مَنْ أقَرَّ بها ثمَّ رجَعَ قُبِلَ رُجوعُه، ولم يَخصُّوا الزِّنا بذلكَ دونَ سائرِ حُدودِ اللهِ (٢).


(١) «المغني» (٩/ ٦٣، ٦٤).
(٢) «شرح معاني الآثار» (٣/ ١٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>