للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يَجبُ الحدُّ على المُختلِسِ؛ لأنَّ فِعلَه ليسَ بسرقةٍ لغةً، يُوضِّحُه أنَّ المُستوفَى بالوطءِ وإنْ كانَ في حُكمِ العِتقِ فهو في الحقيقةِ مَنفعةٌ، والاستِئجارُ عَقدٌ مَشروعٌ لمِلكِ المَنفعةِ، وباعتبارِ هذهِ الحقيقةِ يَصيرُ شُبهةً، بخلافِ الاستئجارِ للطَّبخِ والخَبزِ، ولأنَّ العقدَ هُناكَ غيرُ مُضافٍ إلى المُستوفَى بالوطءِ ولا إلى ما هو سَببٌ له، والعَقدُ المُضافُ إلى مَحلٍّ يُوجِبُ الشبهةَ في ذلك المحلِّ لا في مَحلٍّ آخَرَ (١).

وجاءَ في «الفَتاوَى الهِنديَّة»: استَأجرَ امرأةً ليَزنِيَ بها أو لِيطأَها أو قالَ: «خُذِي هذه الدَّراهمَ لِأَطأكِ»، أو قالَ: «مكِّنِيني بكذا» ففعَلَتْ لم يُحَدَّ، وزادَ في «النَّظْم»: ولها مَهرُ مثلِها ويُوجَعانِ عُقوبةً ويُحبسانِ حتَّى يَتوبَا.

وقالا: يُحدَّانِ كما لو أعطاها مالًا بغيرِ شرطٍ، بخلافِ ما إذا قالَ: «خُذي هذهِ الدَّراهمَ لأتمتَّعَ بكِ»؛ لأنَّ المُتعةَ كانَتْ سببَ الإباحةِ في الابتداءِ فبَقيَتْ شُبهةً، كذا في التُّمُرتاشيِّ، ولو قالَ: «أمهَرتُكِ كذا لأزنِيَ بكِ» لم يَجبِ الحَدُّ، كذا في «الكافي» (٢).

وذهَبَ جُمهورُ الفُقهاءِ المالِكيةُ والشافِعيةُ والحَنابلةُ والصاحِبانِ مِنْ الحَنفيةِ أبو يُوسفَ ومُحمدٌ إلى أنَّ الحدَّ يجبُ عليهِما؛ لأنه لا تأثيرَ للعقدِ في إباحةِ وَطئِها، فكانَ وُجودُه كعَدمِه؛ لتحقُّقِ فعلِ الزنَى منهُما، فإنَّ الاستئجارَ ليس بطَريقٍ لاستباحةِ البُضعِ شرعًا، فكانَ لغوًا بمَنزلةِ ما لو استَأجرَها


(١) «المبسوط» (٩/ ٥٨، ٥٩).
(٢) «الفتاوى الهندية» (٢/ ١٤٩)، ويُنظَر: «فتاوى السغدي» (٢/ ٦٣٢)، و «المبسوط» (٩/ ٥٨)، و «الاختيار» (٤/ ١٠٧)، و «درر الحكام» (٥/ ٣٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>